الإثنين 16 / صفر / 1447 - 11 / أغسطس 2025
وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَٰهَا بِأَيْي۟دٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ۝ وَالأرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ ۝ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۝ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ۝ وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ[سورة الذاريات:47-51].

يقول تعالى منبها على خلق العالم العلوي والسفلي:وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا أي: جعلناها سقفاً محفوظا رفيعاً،بِأَيْدٍأي: بقوة، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والثوري، وغير واحد.

هنا بِأَيْدٍ، الأيد القوة، كما قال الله :دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ[سورة ص:17] يعني: القوة، وليس جمع يد قطعاً، فإن هذه مادة أخرى، اليد تجمع على الأيدي، وهذه أيد بمعنى القوة،وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ أي: بقوة، فليست من آيات الصفات التي تدل على صفة اليد مثلاً، ليست منها، ولهذا بعض الناس يرى في كتب التفسير مثلاً من يفسر الأيد بالقوة ويقول: هذا تأويل، وهذا ليس بصحيح، هذه مادة أخرى، ليست جمع يد.

وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ، أي: قد وسعنا أرجاءها، ورفعناها بغير عمد حتى استقلت كما هي.

هذا الذي قاله الحافظ ابن كثير -رحمه الله- هو الذي عليه عامة أهل التفسير، عامة أهل العلم على أن قوله تعالى:وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ، أنه خبر عن خلقها، عن الماضي، خلقناها ووسعنا أرجاءها، فصارت كما ترون، خلقناها قوية واسعة الأرجاء،وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ، خبر عن خلقها في الزمن الماضي وصفته أنه خلق شاسع واسع، وما في ضمن ذلك من الأفلاك والنجوم، والكواكب وما أشبه ذلك، فهذا كله خلق هائل واسع لا يحيط به إلا الله -تبارك وتعالى-، وبعضهم يفسر وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ من الوُسْع الذي هو القدرة والطاقة، خلقناها بقوة وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ أي: أصحاب وُسْع أو صاحب وسع بمعنى القوة والقدرة، تقول: في وسعي أن أفعل كذا، ما يسعني أن أفعل كذا، ما في وسعي صناعة هذا يعني ليس في قدرتي وإمكاني،وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ أي: لأقوياء قادرون متمكنون من ذلك، هكذا فسره بعض السلف، ولكن المعنى الأشهر والمتبادر من قوله -تبارك وتعالى-:وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ أنه من السعة، وهي ضد الضيق،وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ، ومن أهل العلم من فسر وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ يعني: الرزق بالمطر، وهذا بعيد، وسع عليه الرزق، بسط رزقه، وتقول: هذا قدر عليه رزقه وضيق عليه رزقه، وإنا لموسعون الرزق بالمطر، هذا بعيد، هذه أقوال أهل العلم في وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ، وإذا اختُلف في تفسير آية على معنيين أو ثلاثة أو أكثر فإنه لا يجوز لمن جاء بعدهم أن يأتي بقول يعود على أقوالهم بالإبطال والتخطئة، بمعنى كل الأمة ما فهموا الآية ثم نأتي نحن نقول: لا، المعنى كذا، كل الذي قالوه غلط، هذا لا يمكن، هذه مبادئ أساسية في طلب العلم، يتربى عليها طلاب العلم منذ بداية طلبهم للعلم، فمجال النظر والاختيار والترجيح هو بين هذه الأقوال الموجودة، ومن جاء باستنتاج واستنباط تحتمله الآية فلا بأس، بشرط أن يكون هذا الاستنباط والمعنى غير خارج عما قالوه، بمعنى أن يكون زيادة في الفهم دون أن يعود بالتخطئة على جميع الأقوال، بمعنى أن الأمة أجمعت على الخطأ وإن تفرقت أقوالها، وبهذا نعرف بطلان قول أصحاب الإعجاز العلمي الذين يزعمون أن قوله:وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ أي أن الكون في اتساع، وأنه تولد مجرات جديدة الآن، ولا زال الكون يتمدد، وأن هذه الآية تدل عليه، فمن أدرى محمداً ﷺ بهذا؟، نقول لهم: كلامكم هذا غير صحيح، ولا تفسر به الآية؛ لأن عندنا مبادئ و أصولاً نمشي عليها، لا يمكن للأمة أن تجمع على الخطأ في تفسير الآية، يمكن أن تخطئ طائفة، يمكن أن تقول: قول ابن جرير غلط، قول ابن كثير غلط، يقول هذا أهل العلم لا يقوله إنسان تخصصه رياضيات ويأتي ويقول: هذا غلط، ابن جرير أخطأ، فالأرضية التي عندك يمكن أن تنطلق منها حتى تخطّئ ابن جرير، أمّا أن تخطّئ الجميع، تقول: كل هؤلاء ما فهموا الآية، فهذا قطعاً يحكم بغلطه وأنه غير صواب، فهذا أصل من الأصول التي يبنى عليها التفسير ويعرف فيها صحيح الأقوال من باطلها.