وقوله:إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ[سورة الذاريات:8] أي: إنكم أيها المشركون المكذبون للرسل لفي قول مختلف مضطرب، لا يلتئم ولا يجتمع.
وقال قتادة: إنكم لفي قول مختلف، ما بين مصدق بالقرآن ومكذب به.
يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ [سورة الذاريات:9] أي: إنما يروج على من هو ضال في نفسه.
فأقسم الله بالسماء ذات الحبك، ذات الطرائق والخلق الحسن الشديد بأنهم في قول مختلف، أي: في النبي ﷺ وفي القرآن، هذا الذي عليه عامة المفسرين، ومنهم من يقول: في النبي ﷺ، ومنهم من يقول: في القرآن، ولا إشكال في هذا؛ لأنهم تكلموا في أمر النبي ﷺ حينما دعاهم إلى الله ، وأخبرهم أنه نبي يوحى إليه، فقالوا عنه: مجنون، وقالوا عنه: ساحر، وقالوا: كاذب، وقالوا عن القرآن: إنه سحر، وقالوا: شعر، وقالوا: أساطير الأولين، فكل هذا قد وقع، فاختلفت أقوالهم فيه، وفيما جاء به من عند ربه -تبارك وتعالى-، فهم مبطلون ولا أدل على ذلك من أنهم لم يتفقوا على أمر واحد، وإنما قالوا بهذه الأقاويل المختلفة، هذا هو المشهور، وأما قول من قال -كما أورد الحافظ ابن كثير -رحمه الله- عن قتادة هنا-: أي بين مصدق بالقرآن ومكذب به فيعني أن الاختلاف هنا أن منهم من صدق به، ومنهم من كذب به، فهذا وإن اختاره كبير المفسرين ابن جرير الطبري -رحمه الله- إلا أن القول الأول أولى منه وأقوى؛ لأن الله وصف حال هؤلاء المكذبين في موضع آخر من القرآن قال:فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ[سورة ق:5]، في أمر مضطرب لا يتفق على مقالة ولا يثبت على رأي، وإنما يختلفون غاية الاختلاف، فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ ، والذين هم في أمر مريج هم أهل التكذيب، وليس المقصود أنهم فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ أي: عموم الناس بين مصدق ومكذب، وإنما ذلك يختص بالمكذبين، فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ مضطرب، تارة يقولون هكذا، وتارة يقولون هكذا، فليست في المصدقين والمكذبين، وإنما في المكذبين خاصة، والسياق يدل على هذا، ولذلك بعده قال:قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ [سورة الذاريات:10]، فهم يتكلمون بالظنون والدعاوى الباطلة من غير حجة ولا برهان، فوقع لهم مثل هذا التباين في أقوالهم الكاذبة التي لا تقوم على أصل أو أساس، وما ذكرنا أولاً عن عامة المفسرين هو الأقرب، ومن أهل العلم من قال: إنهم اختلفوا واضطربوا يعني اختلفت مقالاتهم واضطربت في أمر المعاد، بين مكذب ومصدق، وبعضهم يقول: يقرون أن الله خالقهم ورازقهم ويعبدون غيره، يعني يتناقضون مع أنفسهم، يقرون بتوحيد الربوبية ويشركون بتوحيد الإلهية، والأصل أن من أقر بتوحيد الربوبية فإن ذلك يلزم عنه أن يوحد الله في عبادته، الذي يخلق ويرزق يجب أن يكون هو المعبود وحده لا شريك له، إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ إنكم أيها المشركون المكذبون للرسل لفي قول مختلف مضطرب لا يلتئم ولا يجتمع، وما حدد الحافظ ابن كثير -رحمه الله- هنا في أي شيء، ثم ذكر قول قتادة: بين مصدق بالقرآن ومكذب به، والله تعالى أعلم.