فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأقْدَامِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ[سورة الرحمن:37-45].
يقول تعالى:فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ يوم القيامة، كما دلت عليه هذه الآية مع ما شاكلها من الآيات الواردة في معناها، كقوله:وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ[سورة الحاقة:16]، وقوله:وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنزلَ الْمَلائِكَةُ تَنزيلا[سورة الفرقان:25]، وقوله:إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ[سورة الانشقاق:1-2].
وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا من الأذن يعنى استمعتْ وهو مضمن معنى الانقياد والطاعة وَحُقَّتْ حق لها ذلك.
وقوله:فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ أي: تذوب كما يذوب الدّرْدي والفضة في السبك، وتتلون كما تتلون الأصباغ التي يدهن بها، فتارة حمراء وصفراء وزرقاء وخضراء، وذلك من شدة الأمر وهول يوم القيامة العظيم.
وقال السدي: تكون كلون البغلة الوردة، وتكون كالمهل كدردي الزيت، وقال مجاهد: كَالدِّهَان: كألوان الدهان.
فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ هذا التشبيه يتصل باللون لون السماء كيف يتغير إلى الحمرة؟، كانت وردة يتغير لونها إلى الحمرة، من أهل العلم من يقول: إن لونها أحمر أصلا لكن لِمَا بيننا وبينها من المسافة الشاسعة والغازات وما أشبه ذلك نراها بهذا اللون الأزرق، ومن أهل العلم من يقول: يتغير لونها إلى الحمرة من الحرارة يوم القيامة فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ الدهان هذا التشبيه لها إما أن يكون باعتبار اللون كَالدِّهَانِ إذا فسر الدهان بالزيت يعني في تغير الألوان، فالزيت يكون له ألوان تتحول، تجده في وقت يختلف لونه عن وقت آخر لو وضعته الظهيرة أمام الشمس فإن لونه لا يكون كلونه في الليل مثلاً، لا يكون كلونه في أول النهار، وهكذا يتغير لونه وفيه بقع وألوان،وَرْدَةً كَالدِّهَانِ فيكون التشبيه في الموضعين باعتبار اللون، كالدهان يتغير هذا اللون ويتحول، ويحتمل أن يكون التشبيه الأول باعتبار اللون وَرْدَةً يعني يتغير إلى الحمرة، وكَالدِّهَانِ باعتبار ما يصير إليه من الحال، من الذوبان وَرْدَةً كَالدِّهَانِ كما قال الله وأخبر في موضع آخر:يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ[سورة المعارج:8] وهو الزيت المذاب، أو الشيء المذاب من معدن من حديد، فالمنصهر هذا الحار، فهناك قال: كَالْمُهْلِ وهذا يدل على أنها تذوب، وهذا قال به كثير من أهل العلم: إن المقصود كَالدِّهَانِ أي أنها تذوب، وهذا لا يمنع عن المعنى الآخر فإنها إذا ذابت وصارت كالزيت فإن الزيت فيه ألوان متعددة، يقول ابن كثير -رحمه الله- هنا: أي تذوب كما يذوب الدردى والفضة في السبك وتتلون كما تتلون الأصباغ التي يدهن بها، جمع بين المعنيين وهذا من دقته، فذكر أنها تذوب تتغير حقيقتها وتتغير ألوانها، فالدهان يدل على المعنيين، وما احتاج أن يرجح بينهما؛ لأن هذا كله يحصل، فالزيت المذاب فيه هذا وفيه هذا، والله شبهها به، يقول: وتتلون كما تتلون الأصباغ التي يدهن بها فتارة حمراء وصفراء وزرقاء وخضراء وذلك من شدة الأمر والهول، وقال السدي: تكون كلون البغلة الوردة، ولون البغلة الوردة هو الأبيض الذي يضرب إلى الحمرة، أبيض يضرب إلى الحمرة أو الصفرة، وتكون كَالْمُهْلِ كدردي الزيت، وقال مجاهد:كَالدِّهَانِ كألوان الدهان يعني يكون شبهها به في اختلاف ألوانه، ومن أهل العلم من قال: تكون في حمرة الورد وجريان الزيت، تذوب وتنصهر -والله المستعان-، وبعضهم يقول: إن الدهان هو الجلد الأحمر، فشبهها بأنها تكون وردة كالدهان في حمرتها.