هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ[سورة الحديد:4-6].
يخبر تعالى عن خلقه السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم أخبر باستوائه على العرش بعد خلقهن، وقد تقدم الكلام على هذه الآية وأشباهها في سورة "الأعراف" بما أغنى عن إعادته هاهنا.
يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ أي: يعلم عدد ما يدخل فيها من حب وقطروَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا من زرع ونَبات وثمار، كما قال:وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ[سورة الأنعام: 59].
قوله -تبارك وتعالى- هنا:يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ يحمل على أعم معانيه، وما ذكره السلف من المعاني في هذا فإنه من قبيل التفسير بالمثال، إذا قال قائل: إن مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ أي: من المطر، من الماء الذي يدخل فيها،أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ[سورة الزمر:21]، أو الحب فإن ذلك من قبيل المثال فكل ما يتصور هو داخل في هذا المعنى من الحب والماء والأموات إلى غير ذلك كله يعلمه الله ،وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا ما الذي يخرج من الأرض؟ النبات، المعادن النفط كل ما يمكن أن يتصور أن يخرجه الله من الموتى وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا[سورة الزلزلة:2] ما يخرج منها من الكنوز، وغير ذلك.
وقوله:وَمَا يَنزلُ مِنَ السَّمَاءِ أي: من الأمطار، والثلوج والبَرَد، والأقدار والأحكام مع الملائكة الكرام، وقد تقدم في سورة "البقرة" أنه ما ينزل من قطرة من السماء إلا ومعها ملك يُقرّرها في المكان الذي يأمر الله به حيث يشاء تعالى.
وقوله:وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا أي: من الملائكة والأعمال، كما جاء في الصحيح:يُرْفَعُ إليه عَمَلُ الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل[1].
قوله:وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ فسره السلف بلازمه وهو أنه معكم بالعلم، ومعلوم أن المعية على نوعين:
معية خاصة بالتأييد والنصرإِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى[ سورة طه:46] وذلك معيته -تبارك وتعالى- لأوليائه من الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- والمؤمنين.
ومعية عامة بالعلم والاطلاع والإحاطة مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ[سورة المجادلة:7]، وذلك بالعلم، والإمام أحمد -رحمه الله- احتج على هذا المعنى بأن أول الآية في العلم وآخرها في العلم أَلَمْ تَرَ ثم ختمها أيضاً:إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .
- رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب في قوله : "إن الله لا ينام"، وفي قوله: "حجابه النور لو كشفه لأحرق سُبُحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه" (1/161)، رقم (179).
- رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي ﷺ عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة (1/27)، رقم (50)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله-- (1/36)، رقم (8).