الأربعاء 06 / شعبان / 1446 - 05 / فبراير 2025
أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُوا۟ عَنِ ٱلنَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا۟ عَنْهُ وَيَتَنَٰجَوْنَ بِٱلْإِثْمِ وَٱلْعُدْوَٰنِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَ فِىٓ أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ ۚ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا ۖ فَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

 

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ۝ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ۝ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ[سورة المجادلة:8-10].

قال ابن أبي نَجِيح عن مجاهد أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثم يعودون لما نهو عنه قال: اليهود. وكذا قال مقاتل بن حيان وزاد: كان بين النبي ﷺ وبين اليهود موادعة، وكانوا إذا مر بهم الرجل من أصحاب النبيﷺ جلسوا يتناجون بينهم، حتى يظن المؤمن أنهم يتناجون بقتله-أو بما يكره المؤمن- فإذا رأى المؤمن ذلك خَشيهم، فترك طريقهم عليهم، فنهاهم النبيﷺ عن النجوى، فلم ينتهوا وعادوا إلى النجوى، فأنزل الله تعالى:أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ.

وقوله تعالى:وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ أي: يتحدثون فيما بينهم بالإثم، وهو ما يختص بهم، والعدوان وهو ما يتعلق بغيرهم، ومنه معصية الرسول ومخالفته، يُصِرون عليها ويتواصون بها.

وقوله تعالى:وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ روى ابن أبي حاتم عن عائشة قالت: دخل على رسول الله ﷺ يهود فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم، فقالت عائشة: وعليكم السام، قالت: فقال رسول الله ﷺ:يا عائشة، إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش، قلت: ألا تسمعهم يقولون: السام عليك؟ فقال رسول اللهﷺ:أوَمَا سمعتِ أقول: وعليكم؟، فأنزل الله:وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ[1].

وفي رواية في الصحيح أنها قالت لهم: عليكم السام والذَّام واللعنة، وأن رسول الله ﷺ قال:إنه يستجاب لنا فيهم، ولا يستجاب لهم فينا[2].

وروى ابن جرير عن أنس بن مالك: أن رسول الله ﷺ بينما هو جالس مع أصحابه، إذ أتى عليهم يهودي فسلَّم عليهم، فردوا عليه، فقال نبي الله ﷺ:هل تدرون ما قال؟، قالوا: سلم يا رسول الله، قال:بل قال: سام عليكم، أي: تسامون دينكم، قال رسول الله ﷺ:ردوه، فردوه عليه، فقال نبي الله:أقلت: سام عليكم؟، قال: نعم، فقال رسول الله ﷺ:إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا: عليك[3] أي: عليك ما قلت، وأصل حديث أنس مخرج في الصحيحين، وهذا الحديث في الصحيح عن عائشة بنحوه.

وقوله تعالى:وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ أي: يفعلون هذا، ويقولون ما يحرفون من الكلام وإيهام السلام، وإنما هو شتم في الباطن، ومع هذا يقولون في أنفسهم: لو كان هذا نبياً لعذبنا الله بما نقول له في الباطن؛ لأن الله يعلم ما نسره، فلو كان هذا نبياً حقّاً لأوشك أن يعاجلنا الله بالعقوبة في الدنيا، فقال الله تعالى:حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ أي: جهنم كفايتهم في الدار الآخرة يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو: أن اليهود كانوا يقولون لرسول الله ﷺ: سام عليك، ثم يقولون في أنفسهم:لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ؟، فنزلت هذه الآية:وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ إسناد حسن ولم يخرجوه.

 

قوله -تبارك وتعالى-: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ، مَن هؤلاء الذين نهوا عن النجوى؟ هم اليهود كما قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- هنا، والدليل على أنهم اليهود أمران يكفي كل واحد منهما في الدلالة على أن المراد به اليهود، الأمر الأول: قرينة في نفس الآيات،أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ، قال:وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ، من الذين يحيونه بما لم يحيه به الله؟ هم اليهود، فهذا حديث عنهم، هؤلاء الذين نُهوا عن النجوى، فهذه قرينة في الآية تدل على أن المراد اليهود، والأمر الثاني: هو سبب النزول، وهو حديث عبد الله بن عمرو -ا-، فهي نازلة في اليهود.

قال:وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، هو النهي نُهُوا عَنِ النَّجْوَى، الذي نهاهم هو النبي ﷺ، وهؤلاء اليهود كانوا إذا رأوا أحداً من المسلمين يتناجون، فيأخذه ما قرب وما بعد، يأتمرون به، هؤلاء عندهم أسواق، عندهم مواضع، مكان لتجمعهم، وإقامتهم، فيأتيها المسلمون ويغشوا أسواقهم، فيبدءون يتناجون.

وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، والنهي عن النجوى هنا في بيئة يمكن أن يوجد فيها بؤر للتآمر من المنافقين واليهود، وهؤلاء يجتمعون لحرب الإسلام، فقطع الطريق على هؤلاء بالنهي عن التناجي؛ لأن التناجي هو مبدأ الشر والفتنة، تبدأ بالنجوى ثم بعد ذلك تتحول إلى شيء آخر، إلى عمل خارجي يفسدون به، ويحولون جمع الناس إلى فرقة، وهذا الذي يناجي أول ما يبدأ ذلك أنه يلقي الكلمة فإن وجد من يصغي إليها زاده أخرى، ثم بعد ذلك يلقي إليه ثالثة، ثم بعد ذلك يتمكن منه، فيلقي في قلبه ما شاء، فيتغير قلبه على إخوانه، ولو كان ذلك بلبوس الإصلاح أحياناً، يعني يأتي بها بثوب إصلاح، ولا يعجبه هذا الوضع القائم، يريد أفضل من هذا، كما كان الذين يتناجون في عهد عثمان مثلاً حتى جاءوا بهذه الجموع من الآفاق، وحاصروه وقتلوه في داره، فكان مبدأ ذلك النجوى عن طريق عبد الله بن سبأ وأهل البدع، ولهذا جاء عن بعض السلف ما يدل على هذا في أبواب الاعتقاد أن الدين إذا كان نجوى فذلك يعني أنهم على ضلالة، أو يؤسسون ضلالة، فالدين معروف، فإذا كان دين هؤلاء نجوى، ليس المقصود أنهم يكونون في حالة من الاستضعاف فيتذاكرون ويتعلمون سراً، وإنما المقصود في البيئات الصحيحة، البيئات السليمة ويكون الدين بينهم نجوى فهذا يعني أنهم يؤسسون شراً، فهذا طريق في العلاج لمثل هذه المعضلات والمشكلات، ومنابت الشر، وبؤر التآمر، كما كان أيضاً هديه ﷺ لما قال أهل الإفك ما قالوا، فأسرع بهم النبي ﷺ على غير عادته، وسار بهم سيراً متواصلاً، لم يكن ﷺ من عادته أنه يفعل ذلك بأسفاره فكان رفيقاً بالناس، ينزل بهم، ولكنه واصل السير من أجل أن يشغل الناس، فلما نزل ﷺ، ما لا مست أجسادهم الأرض حتى ناموا، يعني هم في غاية الإنهاك، ما في مجال للنجوى، لا يوجد أحد عنده عرق يتحرك، يستطيع أن يتناجى ويتفرغ للحديث، ويدور بينهم شيء من هذا الإفك، فأشغلهم بهذا، هذه طريقة، ولهذا تجد في ثنايا تلك الآيات اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا[سورة الأحزاب:41]، أي اشتغلوا بالذكر بدلاً من الاشتغال بالقيل والقال، والحديث عن مثل هذه القضايا، سواء قضية الإفك، أو القضية الأخرى وهي تزوج النبي ﷺ من زينب امرأة زيد وهو كان يُدعى للنبي ﷺ، يقال: زيد ابن محمد، وكان هذا من أعظم الجرم والفجور عند أهل الجاهلية، فسيتحدث المنافقون فأمر الله بالاشتغال بكثرة الذكر، قال:ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ، هذه الأمور الثلاثة ما الفرق بينها؟ الإثم من حيث هو يطلق على الذنب، ويطلق يعني على المعصية، ويطلق أيضاً على الأثر، أثر الذنب الأثر الأخروي، يعني بمعنى أن تقول: من فعل ذلك فهو آثم، هذا يترتب عليه الإثم يعني المؤاخذة، كما أنه يطلق على نوع من الذنوب خاصة وهو الخمر، شربتُ الإثمَ حتى ضلّ عقلي، يقصد الخمر، فالعرب تسميها إثماً، فهي أم الآثام، فهنا وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ يعني: ما يوجب الإثم، يعني المعصية، يعني الأمور التي لا يحبها الله -تبارك وتعالى- ولا يرضاها، والعدوان: هو نوع من الآثام لكنه متعدٍّ، يعني هم يتناجون بأمور من المخالفات من مساخط الله، ويتناجون أيضاً بالعدوان، بأمور فيها إيصال الضرر للمسلمين، يحيكون المؤامرات،وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ هذا يشمل ما سبق، فمعصية الرسول ﷺ تشمل الإثم وتشمل العدوان، وكأن هذا -والله تعالى أعلم- فيما يتصل بما نهوا عنه أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى، والذي نهاهم هو النبي ﷺ، فيتناجون بالإثم والعدوان ومعصيته ﷺ، في شأن النجوى، وفيما يدبره من سياسة الناس، وإدارة شئون الدولة، وهم يريدون تعويق ذلك، وتفكيك ما يدبره النبيﷺ ويفتله.

وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ، أصل التحية هي أول ما يقال عند اللقاء، وأصل ذلك أن الرجل يقول لمن يلقاه: حياك الله، أصلها دعاء له بالحياة، حياك، أحياك، ولهذا تجدهم يختصرون هذا أحياناً يقولون: حياك، أحياك الله، دعاء له بالحياة، ثم صار ذلك يقال على ضرب من التوسع في الاستعمال لكل ما يقال في أول اللقاء، فلو قال له: مرحباً يقال لها: تحية، صباح الخير هذه تحية، السلام عليكم هذه يقال لها: تحية، فهؤلاء كانوا يلقون السلام ظاهراً، ويلوون ألسنتهم به وهم في الواقع يقولون قولاً منكراً، حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ، يدل عليه الروايات السابقة أنهم يقولون: السام عليك.

وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ، تحتمل معنيين، المعنى الأول، ما هو؟ أنه يقولونه فيما بينهم، يقولونه في أنفسهم، وسبق في عدد من المناسبات أن النفوس المشترِكة في أمر كالدين، والمذهب، والملة تنزّل منزلة الواحدة،وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم [سورة البقرة:188] أي: لا يأكل بعضكم مال بعض،فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ[سورة البقرة:54] يعني: فليقتل بعضكم بعضاً، في توبة بني إسرائيل لما عبدوا العجل،فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ،ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ[سورة البقرة:85] يعني: يقتل اليهودي أخاه اليهودي، يعني يقتل بعضكم بعضاً، هذا معناه، وهذا محرم عليهم، وهنا وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ يقول بعضهم لبعض يعني سراً:لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ، وتحتمل معنى آخر وهو أن الواحد يقول في خاصة نفسه هو، يحدث نفسه، والقول والحديث والكلام إذا قيد في النفس فإن ذلك صحيح في كلام العرب، ويدل عليه القرآن كهذا الموضع على هذا التفسير، يعني: أهل السنة حينما يردون على المتكلمين الأشاعرة مثلاً، أو على الأشاعرة من المتكلمين الذين يقولون بالكلام النفسي: إن كلام الله معنى واحد قائم بالنفس، يقولون: هو المعنى فقط أما اللفظ فمخلوق، هذا كلام الأشاعرة، سواء اللفظ من عند جبريل أو من النبي ﷺ، على خلاف بينهم، ويقولون الكلام كلام الله -تبارك وتعالى-، يقولون: القرآن كلام الله، ويردون على المعتزلة، لكن ما مرادهم بكلام الله؟ يقولون: المعنى فقط، أما الألفاظ فحادثة، وكلامهم في هذا معروف أنه من أبطل الباطل ولا يمكن أن يُتصور، فمن جملة الرد عليهم أن الكلام والقول والحديث هذا مثل الإنسان، الإنسان بمجموع الأمرين الروح والجسد، فالروح وحدها لا يقال لها: إنسان، والجسد وحده لا يقال له: إنسان، يقال: جثة، فمجموع الروح والجسد يقال له: إنسان، فكذلك الكلام والحديث لابد أن يكون باللفظ والمعنى، أما ما يدور في نفس الإنسان من غير أن يتكلم به، يتحرك به لسانه ويجري عليه فمثل هذا لا يقال له كلام عند الإطلاق، ولا قول ولا حديث، ولكنه يكون مقيداً، قال في نفسه، حدث نفسه، زوّرتُ في نفسي حديثاً، في نفسي، فيكون بالقيد، فهنا يقولون:فِي أَنفُسِهِمْ على هذا المعنى الثاني أن الواحد يحدث نفسه بهذا، يقول: لو كان رسولاً لعذبنا كيف نقول له: السام عليك؟، وأيضاً لاستُجيب له فينا، هو يقول: وعليكم، فما وقع لنا شيء، فلنزل بنا العذاب بسبب قولنا هذا؟، ولولا هنا لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بمعنى: هلا، فإن لولا تكون تارة للتبكيت إذا كان في أمر لا يمكن استدراكه، أمر ماضٍ،فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ [سورة هود:116] أمم مهلكة،أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ، وإذا كان على أمر مستقبل أو في أمر مضى يمكن استدراكه فإنها تكون بمعنى التحضيض.

حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يعني: كافيتهم،يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ، وهذه المادة يصلى تفيد معنيين، المعنى الأول: الدخول، والمعنى الثاني: هو مقاساة حر النار، لقوله:لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى [سورة الليل:15] يعني: لا يدخلها، أو لا يقاسي حرها، وكلاهما صحيح.

  1. رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (10/3343)، برقم (18843).
  2. رواه البخاري، كتاب الدعوات، باب قول النبي ﷺ: يستجاب لنا في اليهود، ولا يستجاب لهم فينا ، برقم (6401)، وإسحاق بن راهويه في مسنده، برقم (1685).
  3. جامع البيان، للطبري (23/240)، والترمذي، أبواب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ، باب ومن سورة المجادلة، برقم (3301)، وأحمد في المسند، برقم (12427)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط الشيخين".