لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[سورة الحشر:21-24].
يقول تعالى معظمًا لأمر القرآن ومبينًا علو قدرته وأنه ينبغي أن تخشع له القلوب وتتصدع عند سماعه بما فيه من الوعد الحق والوعيد الحق.
يعني المناسبة أن الله -تبارك وتعالى- لما ذكر أهل الجنة وأهل النار وبين عدم التساوي بين هؤلاء وهؤلاء في شيء من الأشياء ذكر تعظيم كتابه، وأخبر عن جلالته، وأنه حقيق بأن تخشع له القلوب، وترق له الأفئدة.
لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ أي: فإذا كان الجبل في غلظته وقساوته لو فهم هذا القرآن فتدبر ما فيه لخشع وتصدع من خوف الله فكيف يليق بكم يا أيها البشر ألا تلين قلوبكم وتخشع وتتصدع من خشية الله وقد فهمتم عن الله أمره، وتدبرتم كتابه؟؛ ولهذا قال تعالى:وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ وقد ثبت في الصحيح المتواتر أن رسول الله ﷺلما عُمل له المنبر، وقد كان يوم الخطبة يقف إلى جانب جذع من جذوع المسجد فلما وضع المنبر أول ما وضع وجاء النبي ﷺ ليخطب فجاوزَ الجذعَ إلى نحو المنبر، فعند ذلك حن الجذع، وجعل يئن كما يئن الصبي الذي يسكن لِمَا كان يسمع من الذكر والوحي عنده، ففي بعض روايات هذا الحديث قال الحسن البصري بعد إيراده: فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى رسول الله ﷺ من الجذع، وهكذا هذه الآية الكريمة إذا كانت الجبال الصم لو سمعت كلام الله وفهمته لخشعت وتصدعت من خشيته فكيف بكم وقد سمعتم وفهمتم؟.
وقال تعالى:وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى[سورة الرعد:31] الآية، وقد تقدم أن معنى ذلك أي: لكان هذا القرآن، وقد قال تعالى: وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ[سورة البقرة:74].
يعني إذا كانت الأحجار والجبال الصم التي في غاية الصلابة والغلظة لو نزل عليها هذا القرآن لتصدعت، والقلوب تصل في حالة قساوتها إلى حال أشد من الحجارة، فهذا لا شك فيه أعظم العبرة في بيان أحوال هذا القلب وضرورة العناية به، وإزالة العلائق التي تورثه مثل هذه الحال، وبعض أهل العلم يقول في قوله-تبارك وتعالى-:ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً[سورة البقرة:74] لماذا لم يقل كالحديد مثلًا أو النحاس بما هو في بادئ الرأي أقسى من الحجارة وأشد وأقوى؟ فبعض أهل العلم يقول: إن الحديد إذا عرض في النار ذاب وانصهر، أما الحجارة فإذا أحرقت في النار فإنها لا تنصهر، فهكذا القلوب القاسية تكون بهذه المثابة كالأحجار.