وقال مجاهد في قوله: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ [سورة الأنعام:110] ونحول بينهم وبين الإيمان، ولو جاءتهم كل آية فلا يؤمنون كما حلنا بينهم وبين الإيمان أول مرة.
وقال ابن أبي طلحة عن ابن عباس - ا - أنه قال: أخبر الله ما العباد قائلون قبل أن يقولوه، وعملهم قبل أن يعملوه.
وقال: وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [سورة فاطر:14] جل وعلا، وقال: أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ [سورة الزمر:56] إلى قوله: لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [سورة الزمر:58] فأخبر الله - سبحانه - أنهم لو ردوا لم يكونوا على الهدى، وقال: وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [سورة الأنعام:28].
وقال تعالى: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ [سورة الأنعام:110] وقال: ولو ردوا إلى الدنيا لحيل بينهم وبين الهدى كما حلنا بينهم وبينه أول مرة وهم في الدنيا".
يقول تعالى: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ [سورة الأنعام:110] الأفئدة هي القلوب، والمقصود بالأبصار هنا نظر القلب، فمن قُلِبَ فؤاده فقد انطمست بصيرته، ولا يرى الحق حقاً بل يرى الأشياء على غير حقيقتها، فيرى الباطل حقاً، والحق باطلاً.
وهذا التقليب في قوله تعالى: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ [سورة الأنعام:110] المتبادر أنه ما ذكر الحافظ ابن كثير هنا، أي: أن الله يصرّف قلوبهم وأبصارهم فلا تؤمن بالحق، ولا تبصره - نسال الله العافية -، وهذا المعنى أصح خلافاً لمن قال: إن المراد أن هذا التقليب يكون بالنار في الآخرة عقوبة لهم، بمعنى أن قوله: كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ [سورة الأنعام:110] أي كما لم يؤمنوا به في الدنيا.
وقوله: كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ [سورة الأنعام:110] هذه الكاف يمكن أن تكون للتشبيه، ولكنها مشعِرةٌ بالتعليل، فإن لم نقل: إنها للتعليل فيبقى فيها من معنى التعليل، ويكون المعنى يحتمل أمرين:
الأول: كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ [سورة الأنعام:110] أي أنهم في أول مرة طرق أسماعهم فلم يؤمنوا به، وكذلك في آخر الأمر لن يؤمنوا، وحتى لو جاءتهم الآيات التي اقترحوها سيحصل نفس الموقف السابق القديم أي كحالهم في أول مرة حينما سمعوا هذا القرآن.
والمعنى الثاني: كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ [سورة الأنعام:110] أي أن ذلك وقع لهم جزاء وفاقاً بمعنى أنهم لما أعرضوا عن الحق، وكابروا غاية المكابرة؛ أزاغ الله قلوبهم مجازاة وعقوبة لهم، فعلى هذا يكون قوله: كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ [سورة الأنعام:110] مشعراً بالتعليل والمكافأة أي فكافأهم على كفرهم الأول، وإعراضهم، ومكابرتهم، فحتى لو رأوا الآيات فإنهم لن يؤمنوا؛ لأنهم كفروا أول مرة، والخلاصة أن الآية تحتمل المعنيين أي إما أن يكون ذلك من باب المجازاة على الكفر الأول، أو أنه يقرر هذا المعنى فيقول: هم باقون على كفرهم حتى لو نزلنا الآيات فهم كحالهم أول مرة، والقول بأنه مجازاة لهم استحسنه الحافظ ابن القيم - رحمه الله - وإن لم يصرح بترجيحه لكن قال: وهو معنى حسن، فالله أعلم.
يَعْمَهُونَ [سورة البقرة:15] قال الأعمش: يلعبون، وقال ابن عباس - ا - ومجاهد، وأبو العالية والربيع وأبو مالك وغيره: في كفرهم يترددون".