الخميس 17 / ذو القعدة / 1446 - 15 / مايو 2025
وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَىْءٍ قُبُلًا مَّا كَانُوا۟ لِيُؤْمِنُوٓا۟ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

قال المفسر - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ [سورة الأنعام:111].
يقول تعالى: ولو أننا أجبنا سؤال هؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمننَّ بها؛ فنزلنا إليهم الملائكة تخبرهم بالرسالة من الله بتصديق الرسل كما سألوا فقالوا: أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً [سورة الإسراء:92] وقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ [سورة الأنعام:124] وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا [سورة الفرقان:21].
وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى [سورة الأنعام:111] أي: فأخبروهم بصدق ما جاءتهم به الرسل وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً [سورة الأنعام:111] قرأ بعضهم (قِبَلاً) - بكسر القاف وفتح الباء - من المقابلة، والمعاينة، وقرأ آخرون بضمهما قيل: معناه من المقابلة، والمعاينة أيضاً كما رواه علي بن أبي طلحة والعوفي عن ابن عباس - ا -، وبه قال قتادة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
وقال مجاهد: قُبُلاً أي: أفواجاً قبيلاً قبيلاً، أي: تعرض عليهم كل أمة بعد أمة، فيخبرونهم بصدق الرسل فيما جاؤوهم به".

فقوله: "قرأ بعضهم (قِبَلاً) بكسر القاف وفتح الباء" هذه قراءة نافع وابن عامر، وذلك من المقابلة، والقراءة الأخرى - قراءة الضم - هي قراءة بقية السبعة.
وقوله: "من المقابلة" بمعنى أن القراءتين بمعنى واحد، أو أن المراد بذلك أفواجاً أفواجاً كما قال الحافظ - رحمه الله -: "أفواجاً قبيلاً قبيـلاً".
وقال بعض أهل العلم: إن المراد بقراءة الضم أي: ضمناء، وكفلاء، كما تقول: أنا قبيلي فلان، وفلان أنا قبيله، يعني أنا ضمينه، وكفيله، وبهذا فُسِّرت أيضاً الآية التي استشهد بها الحافظ ابن كثير - رحمه الله - وهي قوله - تبارك تعالى -: أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً [سورة الإسراء:92] أي: ضميناً، وكفيلاً، ويحتمل أن يكون بمعنى المقابلة أيضاً - والله تعالى أعلم -.
"مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ [سورة الأنعام:111] أي أن الهداية إليه لا إليهم، بل يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، وهو الفعَّال لما يريد لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [سورة الأنبياء:23] لعلمه، وحكمته، وسلطانه، وقهره، وغلبته.
وهذه الآية كقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ ۝ وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ [سورة يونس:96-97]".

مرات الإستماع: 0

"وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ [الأنعام: 111] الآية، ردٌّ عليهم في قسمهم أنهم لو جاءتهم آية لآمنوا بها، أي: لو أعطيناهم هذه الآيات التي اقترحوها، وكل آية لم يؤمنوا إلا أن يشاء الله.

قوله: (قِبَلاً) بكسر القاف، وفتح الباء، أي: معاينة فنصبه على الحال".

يعني حال كونهم يعاينونهم، قُبلاً أي: معاينةً، أي: وحشرنا عليهم كل شيء يواجهونه، ويعاينونه.

"وقُرئ بضمتين، ومعناه: مواجهة: كقوله: قُدَّ مِنْ قُبُلٍ [يوسف: 26] وقيل: هو جمع قبيل، بمعنى: كفيل، أي: كفلاء بتصديق رسول الله ﷺ".

(حَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قِبَلاً) بالكسر، والفتح، وهذه قراءة نافع، وابن عامر، وقرأ الجمهور بضمتين حَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً [الأنعام: 111][1].

ويقول: "ومعناه: قُبُلا، يعني: مواجهةً" وهذا مروي عن ابن عباس، وقتادة، وابن زيد[2] يعني: يواجهونهم، ويعاينونهم قُبُلا، ويقول بعضهم: إنه جمع قبيل، يعني: حَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قبيلاً قبيلاً، أي: جماعةً جماعةً، وصنفًا صنفًا، ولو أننا جمعنا لهم جميع الأشياء أمامهم؛ لتخبرهم بصدق ما جاء به النبي ﷺ أو جمعناهم لهم فوجًا فوجًا، أو جماعةً جماعة؛ لتخبرهم بذلك لم يؤمنوا، كما قال الله : إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ۝ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ [يونس: 96 - 97].

ونقل الحافظ ابن كثير - رحمه الله - عن مجاهد: قبلاً: أي: أفواجًا قبيلاً قبيلاً[3] يعني: تعرض عليهم كل أمة بعد أمة، فيخبرونهم بصدق النبي ﷺ وبما جاء به، فلا يحصل منهم الإيمان - نسأل الله العافية - يعني مهما كان، ولو أحيي لهم الموتى، من آدم - عليه الصلاة، والسلام - إلى آبائهم، وأخبروهم بصدق ما جاء به، فهم لا يؤمنون؛ لأنه حقت عليهم كلمة الله - تبارك، وتعالى -.

وقيل: "هو جمع قبيل، بمعنى: كفيل" أي: كفلاء، بتصديق رسول الله ﷺ " والمعنى: ولو حُشر عليهم كل شيء، فكان كفيلاً لهم بصحة ما تقول ما كانوا ليؤمنوا.

 

  1. حجة القراءات (ص: 267).
  2. تفسير ابن كثير ت سلامة (3/318).
  3. المصدر السابق.