يقول تعالى: ولو أننا أجبنا سؤال هؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمننَّ بها؛ فنزلنا إليهم الملائكة تخبرهم بالرسالة من الله بتصديق الرسل كما سألوا فقالوا: أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً [سورة الإسراء:92] وقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ [سورة الأنعام:124] وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا [سورة الفرقان:21].
وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى [سورة الأنعام:111] أي: فأخبروهم بصدق ما جاءتهم به الرسل وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً [سورة الأنعام:111] قرأ بعضهم (قِبَلاً) - بكسر القاف وفتح الباء - من المقابلة، والمعاينة، وقرأ آخرون بضمهما قيل: معناه من المقابلة، والمعاينة أيضاً كما رواه علي بن أبي طلحة والعوفي عن ابن عباس - ا -، وبه قال قتادة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
وقال مجاهد: قُبُلاً أي: أفواجاً قبيلاً قبيلاً، أي: تعرض عليهم كل أمة بعد أمة، فيخبرونهم بصدق الرسل فيما جاؤوهم به".
فقوله: "قرأ بعضهم (قِبَلاً) بكسر القاف وفتح الباء" هذه قراءة نافع وابن عامر، وذلك من المقابلة، والقراءة الأخرى - قراءة الضم - هي قراءة بقية السبعة.
وقوله: "من المقابلة" بمعنى أن القراءتين بمعنى واحد، أو أن المراد بذلك أفواجاً أفواجاً كما قال الحافظ - رحمه الله -: "أفواجاً قبيلاً قبيـلاً".
وقال بعض أهل العلم: إن المراد بقراءة الضم أي: ضمناء، وكفلاء، كما تقول: أنا قبيلي فلان، وفلان أنا قبيله، يعني أنا ضمينه، وكفيله، وبهذا فُسِّرت أيضاً الآية التي استشهد بها الحافظ ابن كثير - رحمه الله - وهي قوله - تبارك تعالى -: أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً [سورة الإسراء:92] أي: ضميناً، وكفيلاً، ويحتمل أن يكون بمعنى المقابلة أيضاً - والله تعالى أعلم -.
وهذه الآية كقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ [سورة يونس:96-97]".