الخميس 17 / ذو القعدة / 1446 - 15 / مايو 2025
وَلِتَصْغَىٰٓ إِلَيْهِ أَفْـِٔدَةُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِٱلْءَاخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا۟ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ

المصباح المنير المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ [سورة الأنعام:113] أي: ولتميل إليه، قاله ابن عباس - ا -".

اللام في قوله: وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ [سورة الأنعام:113] هذه لام التعليل، والمعنى أن هؤلاء يوحي بعضهم إلى بعض بإلقاء التلبيسات، والوساوس، والأباطيل من أجل أن يغروا غيرهم بذلك، ومن أجل أن تميل قلوبهم إلى تلك الأباطيل، وترتاض عليه نفوسهم، ثم تفسد أعمالهم تبعاً لذلك.
ويحتمل أن يكون ذلك تعليلاً لفعل الله - تبارك وتعالى - ويكون المعنى أن الله - تبارك وتعالى - جعل لكل نبي عدواً من شياطين الإنس والجن يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا [سورة الأنعام:112] أي وذلك بحكمته، ومشيئته، ومن هذه الحكم والغايات البعيدة أن تصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون، فهذه حكمة مقصودة لغيرها، وهي أن ينقسم الناس إلى فريقين، ويحصل الابتلاء، ويظهر مقتضى الأسماء الحسنى، وأن الله - تبارك وتعالى - يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، ويظهر معنى اسمه - تبارك وتعالى - المنتقم، والعزيز، والرحيم، والحليم وما أشبه ذلك، ولذلك كان دفع الباطل بحاجة إلى مجاهدة، وصبر على الحق، ولذلك كان للإيمان تبعة، وكلفة، ولهذا الاعتبار - والله تعالى أعلم - صار أكثر الخلق على غير الهدى كما سيأتي بيان ذلك عند قوله تعالى: وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ [سورة الأنعام:116]، وهذا الظن الذي يتبعونه هو من جملة ما زينه لهم شياطين الإنس، والجن، ولو شاء الله - تبارك وتعالى - ما حصل شيء من ذلك، لكن أراد الله ذلك للابتلاء كما قال تعالى: وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ [سورة محمد:4] فكل ذلك مما يقع على أيدي هؤلاء الشياطين إلى يوم الدين هو بإرادة الله، وحكمته، ومشيئته، وعلى أهل الإيمان الصبر، والمجاهدة، والمدافعة، قال تعالى: وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ [سورة البقرة:251] ولنعلم أن مثل هذه الأمور يحصل بها التوازن في هذه الحياة، ويحصل بها الصراع بين الخير والشر، فيظهر فيها حزب الله على حزب الشيطان، وما يسمعه الإنسان، وما يقرؤه، وما يراه، وما يشاهده من الكيد الكبّار لدين الله - تبارك وتعالى -، وما ينفثُه بعض الأفاعي في كتاباتهم من السموم التي يطعنون فيها بدين الله بحيث إذا قرأها الإنسان يكاد يتميز من الغيظ، كل ذلك لو شاء ربك ما فعلوه، لكن علينا أن نتمسك بالحق، وندعو إليه، ونرد الباطل قدر الاستطاعة، وهذا هو الواجب على الإنسان، وإلا فهذا دين الله - تبارك وتعالى -، وهو منصور - بإذن الله -، والملك ملك الله، والخلق خلقه، ولو شاء لآمن من في الأرض كلهم جميعاً.
"أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ [سورة الأنعام:113] أي: قلوبهم، وعقولهم، وأسماعهم، وقال السدي: قلوب الكافرين، وَلِيَرْضَوْهُ [سورة الأنعام:113] أي: يحبوه، ويريدوه".

الأفئدة هي القلوب، ويقال: إن الفؤاد قيل له فؤاد لكثرة تفؤده أي لكثرة توقده بالمعاني، والخواط،ر والأفكار؛ فالقلب تتحرك فيه الخواطر، والإرادات، فيمكن للإنسان أن يغمض عينه فلا يرى، وأن يسد أذنه فلا يسمع، أو يبقى في مكان لا يسمع فيه صوتاً؛ وما أشبه ذلك، لكن لا يستطيع أن يوقف قلبه فلا ترد عليه الخواطر، والأفكار وما أشبه ذلك، وإذا كان الإنسان ينظر بعينه ففي الغالب أن القلب يتبع البصر، وإذا كان يسمع بأذنه فالغالب أن القلب يتبع السمع، لكن إذا كان لا يسمع، ولا يبصر، فالقلب يبقى في تحرك متواصل إما بأن يعيد شريط أشياء مضت، أو يفكر بأشياء في المستقبل، أو غير ذلك.
"وَلِيَرْضَوْهُ [سورة الأنعام:113] أي: يحبوه، ويريدوه، وإنما يستجيب ذلك ما لا يؤمن بالآخرة كما قال تعالى: فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ ۝ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ ۝ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ [سورة الصافات:161-163]، وقال تعالى: إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ ۝ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ [سورة الذاريات:8-9].
وقوله: وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ [سورة الأنعام:113] قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - ا -: "وليكتسبوا ما هم مكتسبون"، وقال السدي وابن زيد: "وليعملوا ما هم عاملون".

على هذا تكون اللام للتعليل يعني ولتصغى، وليرضوه، وليقترفوا.

مرات الإستماع: 0

"قوله تعالى: وَلِتَصْغى [الأنعام: 113] أي: تميل، وهو متعلق بمحذوف، واللام لام الصيرورة".

يمكن أن يكون وَلِتَصْغى منصوب بإضمار (أن) والمصدر المؤول من (أن) المضمرة، والفعل في محل جر باللام، والجار، والمجرور معطوف على غرورًا، وهو مفعول لأجله، والتقدير: يوحي بعضهم إلى بعض للغرور، وللصغو.

يقول: "وَلِتَصْغى [الأنعام: 113] أي: تميل، وهو متعلق بمحذوف، واللام لام الصيرورة" ليكون عاقبة ذلك، والمعنى: من أجل أن تصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة، ويحتمل أنها للتعليل: من أجل أن تصغى، وهذا ذكره ابن القيم - رحمه الله - فهو اختار أنها للتعليل[1] سواء كانت لتعليل فعل العدو، وهو إيحاء بعضهم إلى بعض، أي: ليغروهم بهذا الوحي وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ من يُلقى إليه ليرضاه، ويحتمل أن يكون ذلك تعليلاً لجعله لكل نبيًا عدوًا، على القول الذي هو ظاهر اختيار ابن جرير، وابن كثير، فيكون ذلك من جملة الغايات، والحكم المطلوبة لهذا الجعل، وهي حكمة مقصودة لغيرها.

إذًا هؤلاء الذين يستجيبون، ويقبلون، وينقادون لوحي الشياطين أراد الله غوايتهم، فقد هانوا عليه، وما ذاك إلا لأنهم لا يؤمنون بالآخرة، فلا يُؤسف عليهم، وتذهب النفس حسرات على عدم إيمانهم. 

"قوله تعالى: إِلَيْهِ [الأنعام: 113] الضمير لوحيهم وَلِيَقْتَرِفُوا [الأنعام: 113] يكتسبوا أَفَغَيْرَ اللَّهِ [الأنعام: 113]".

يعني كل هذا بإرادة الله ولو شاء ما حصل.

"قوله تعالى: أَفَغَيْرَ اللَّهِ [الأنعام: 113] معمول لقول محذوف، أي: قل لهم." 
  1. شفاء العليل في مسائل القضاء، والقدر، والحكمة، والتعليل (ص: 191).