الثلاثاء 01 / ذو القعدة / 1446 - 29 / أبريل 2025
وَقَالُوا۟ هَٰذِهِۦٓ أَنْعَٰمٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَّا يَطْعَمُهَآ إِلَّا مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَٰمٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَٰمٌ لَّا يَذْكُرُونَ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا ٱفْتِرَآءً عَلَيْهِ ۚ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُوا۟ يَفْتَرُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وَقَالُواْ هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نّشَاء بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاء عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ [سورة الأنعام:138] قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - ا -: الحجر الحرام مما حرموا من الوصيلة، وتحريم ما حرموا، وكذلك قال مجاهد، والضحاك، والسدي، وقتادة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهما".


الحجر هنا مصدر يراد به المفعول، فقوله تعالى: وَقَالُواْ هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ يعني محجور، ويبيّن هذا الحجر ما ذُكر بعده وهو قوله: لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نّشَاء بِزَعْمِهِمْ [سورة الأنعام:138] أي فليس لهم فيها مطلق التصرف، بل منها ما يحجر على الأصنام في الحمل، والركوب؛ فلا يحمل عليه، ولا يركب، ومنها ما حرموا أكله، ودرَّه؛ وما أشبه ذلك بحسب التفصيلات التي أملاها عليهم الشيطان.
قال ابن عباس: الحجر الحرام مما حرموا من الوصيلة، وتحريم ما حرموا، يعني ما حرموه على أنفسهم لأصنامهم، أي جعلوا ذلك للأوثان، والأصنام التي تعبد من دون الله - تبارك وتعالى -.

"وقال قتادة: وَقَالُواْ هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ [سورة الأنعام:138] تحريمٌ كان عليهم من الشياطين في أموالهم، وتغليظ، وتشديد، ولم يكن من الله - تعالى -، وقال ابن زيد بن أسلم: حِجْرٌ إنما احتجروها لآلهتهم، وقال السدي: لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نّشَاء بِزَعْمِهِمْ [سورة الأنعام:138] يقولون: حرام أن يطعم إلا من شئنا.
وهذه الآية الكريمة كقوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ [سورة يونس:59]، وكقوله تعالى: مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ [سورة المائدة:103].
وقال السدي: أما الأنعام التي حُرِّمت ظهورها فهي: البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام، وأما الأنعام التي لا يذكرون اسم الله عليها لا إذا ولَّدوها، ولا إن نحروها.
وقال أبو بكر بن عياش عن عاصم بن أبي النجود: قال لي أبو وائل: أتدري ما في قوله: وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهَا [سورة الأنعام:138]؟ قلت: لا، قال: هي البحيرة كانوا لا يحجون عليها.
وقال مجاهد: كان من إبلهم طائفة لا يذكرون اسم الله عليها، ولا في شيء من شأنها، لا إن ركبوا، ولا إن حلبوا، ولا إن حملوا، ولا إن نتجوا، ولا إن عملوا شيئاً افْتِرَاء عَلَيْهِ [سورة الأنعام:138] أي: على الله، وكذبهم في إسنادهم ذلك إلى دين الله، وشرعه؛ فإنه لم يأذن لهم في ذلك، ولا رضيه منهم سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ [سورة الأنعام:138] أي: عليه، ويسندون إليه".


قوله تعالى: وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهَا [سورة الأنعام:138] المتبادر أنهم لا يذكرون اسم الله عليها عند ذبحها، أو نحرها، وإنما يذكرون أسماء الأصنام، والمعبودات من دون الله - تبارك وتعالى -، وهذا لا يمنع أن يدخل فيه ما ذُكر من أنهم لا يذكرون اسم الله عليها في شأن من شؤونهم باعتبار أنهم جعلوا هذه الأنعام لأصنامهم، والله أعلم.

مرات الإستماع: 0

"أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ [الأنعام: 138] أي: حرام، وهو فعل بمعنى مفعول، نحو ذِبح، فيستوى فيه المذكر، والمؤنث، والواحد، والجمع."

الحِجر أصله المنع، والإحاطة على الشيء، ومن ذلك الحجر الذي في الكعبة يمنع الطائف من دخوله يعني حال طوافه وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ أي: حرام، والمقصود بذلك مثل ما حرموا من الوصيلة، وتحريم ما حرموا لأصنامهم، كما جاء عن ابن عباس - ا - ومجاهد، والضحاك، والسدي، وقتادة، وابن زيد وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ الأشياء التي حرموها[1] وقالوا هذه للأصنام، ونحو هذا، أي حرام، وهو فعل يعني حجر على وزن فعل بمعنى مفعول يعني محجور فعل، أو مصدر، والمصدر يأتي بمعنى الفاعل، ويأتي بمعنى المفعول، بمعنى مفعول نحو ذِبح يعني المذبوح، الذبيحة يقال لها: ذِبح، الأضحية يقال لها: ذِبح وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات: 107].

يقول: فيستوي في الوصف به المذكر، والمؤنث وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ والواحد، والجمع.

"لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ [الأنعام: 138] أي: لا يأكلها إلا من شاءوا، وهم القائمون على الأصنام، والرجال دون النساء."

شرعوا لهم تشريعات فقالوا هذا للنساء، وهذا للرجال، وهذا مشترك بينهما.

"وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها [الأنعام: 138] أي: لا تركب، وهي السائبة، وأخواتها.

وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا [الأنعام: 138] قيل معناه لا يحج عليها فلا يذكر اسم الله بالتلبية، وقيل: لا يذكر اسم الله عليها إذا ذبحت."

قيل: معناه لا يحج عليها، لا يذكر اسم الله عليها يعني كأن هؤلاء فهموا من قوله: لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا أن على تفيد الظهور، والعلو، يعني إذا ركبوها لا يذكرون اسم الله عليها، وذلك أنه لا يحج عليها فلا يذكر اسمه بالتلبية، وهذا جاء عن أبي وائل - رحمه الله -[2].

وقيل: لا يذكر عليها إذا ذبحت، وهكذا قول من قال: إذا ركبوها مطلقا لا يذكرون اسم الله عليها، أو حلبوها، أو حملوا عليها، أو ولدوها، وعممه مجاهد[3] لا يذكرون اسم الله عليها مطلقا، وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها لا في ركوب، ولا ذبح، ولا حلب، ولا غير هذا، مثل هذه المعاني تحتمل، فهم لا يذكرونه على الإطلاق لأن ظاهر اللفظ العموم بهذا الاعتبار على قول مجاهد حمله على ظاهره على العموم، ولو أردنا أن نرجح أحد هذه المعاني فإن أولاها هو الذكر عند الذبح، لكن إذا كان اللفظ يحتمل معان، ومن غير معارض يعني لا يمتنع الحمل عليها جميعًا فإنها يمكن أن تحمل على ذلك فيبقى اللفظ على عمومه - والله أعلم -.

"افْتِراءً عَلَيْهِ [الأنعام: 138] كانوا قد قسموا أنعامهم على هذه الأقسام، ونسبوا ذلك إلى الله افتراء، وكذبا، ونصب على الحال، أو مفعول من أجله، أو مصدر مؤكد."

ونصب على الحال افتراء عليه حال كونهم مفترين على الله - تبارك، وتعالى - أو مفعول من أجله يعني لأجل الافتراء على الله، يعني فعلوا ذلك للافتراء على الله؛ لأجل الافتراء على الله، أو مصدر مؤكد يعني شرعوا، وحرموا إلى آخره افتراء للتأكيد أن هذا باطل هذا الذي حصل هو ضلال مبين. 

  1. تفسير ابن كثير (3/345).
  2. تفسير الطبري (9/582) وتفسير ابن كثير (3/346).
  3. تفسير ابن كثير (3/346).