الحجر هنا مصدر يراد به المفعول، فقوله تعالى: وَقَالُواْ هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ يعني محجور، ويبيّن هذا الحجر ما ذُكر بعده وهو قوله: لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نّشَاء بِزَعْمِهِمْ [سورة الأنعام:138] أي فليس لهم فيها مطلق التصرف، بل منها ما يحجر على الأصنام في الحمل، والركوب؛ فلا يحمل عليه، ولا يركب، ومنها ما حرموا أكله، ودرَّه؛ وما أشبه ذلك بحسب التفصيلات التي أملاها عليهم الشيطان.
قال ابن عباس: الحجر الحرام مما حرموا من الوصيلة، وتحريم ما حرموا، يعني ما حرموه على أنفسهم لأصنامهم، أي جعلوا ذلك للأوثان، والأصنام التي تعبد من دون الله - تبارك وتعالى -.
وهذه الآية الكريمة كقوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ [سورة يونس:59]، وكقوله تعالى: مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ [سورة المائدة:103].
وقال السدي: أما الأنعام التي حُرِّمت ظهورها فهي: البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام، وأما الأنعام التي لا يذكرون اسم الله عليها لا إذا ولَّدوها، ولا إن نحروها.
وقال أبو بكر بن عياش عن عاصم بن أبي النجود: قال لي أبو وائل: أتدري ما في قوله: وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهَا [سورة الأنعام:138]؟ قلت: لا، قال: هي البحيرة كانوا لا يحجون عليها.
وقال مجاهد: كان من إبلهم طائفة لا يذكرون اسم الله عليها، ولا في شيء من شأنها، لا إن ركبوا، ولا إن حلبوا، ولا إن حملوا، ولا إن نتجوا، ولا إن عملوا شيئاً افْتِرَاء عَلَيْهِ [سورة الأنعام:138] أي: على الله، وكذبهم في إسنادهم ذلك إلى دين الله، وشرعه؛ فإنه لم يأذن لهم في ذلك، ولا رضيه منهم سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ [سورة الأنعام:138] أي: عليه، ويسندون إليه".
قوله تعالى: وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهَا [سورة الأنعام:138] المتبادر أنهم لا يذكرون اسم الله عليها عند ذبحها، أو نحرها، وإنما يذكرون أسماء الأصنام، والمعبودات من دون الله - تبارك وتعالى -، وهذا لا يمنع أن يدخل فيه ما ذُكر من أنهم لا يذكرون اسم الله عليها في شأن من شؤونهم باعتبار أنهم جعلوا هذه الأنعام لأصنامهم، والله أعلم.