قال أبو إسحاق السبيعي عن عبد الله بن أبي الهذيل عن ابن عباس - ا -: وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا [سورة الأنعام:139] الآية، قال: اللبن.
وقال العوفي عن ابن عباس - ا -: وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا [سورة الأنعام:139] فهو اللبن كانوا يحرمونه على إناثهم، ويشربه ذكرناهم، وكانت الشاة إذا ولدت ذكراً ذبحوه، وكان للرجال دون النساء، وإن كانت أنثى تركت فلم تذبح، وإن كانت ميتة فهم فيه شركاء، فنهى الله عن ذلك، وكذا قال السدي.
وقال الشعبي: البحيرة لا يأكل من لبنها إلا الرجال، وإن مات منها شيء أكله الرجال، والنساء، وكذا قال عكرمة، وقتادة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم".
التفصيلات في القضايا التي ذكرها الله - تعالى - بقوله: مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ [سورة المائدة:103] لا تعرف إلا بمعرفة ما كان عليه أهل الجاهلية، وبالنسبة للمنقولات التي ذكرت عنهم ما كانوا يفعلونه في الجاهلية مختلفة، وليست متفقة، ولذلك فإن الجزم بأن هذا هو الذي كانوا عليه، أو أن هذا هو المراد بدقة؛ هذا يصعب؛ لأنه يحتاج إلى معرفة هذه التفصيلات، وكذلك ما قد يذكر في بعض التفصيلات عند قوله: وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا [سورة الأنعام:139] فالأنعام التي جعلوها لغير الله هي الوصيلة، والسائبة، والبحيرة، والحام، فما الذي بطونها؟
المتبادر أن الذي في بطونها هي الأجنة، لكن هل كانوا يفرقون بين المولود الذكر والمولود الأنثى؟ هذا لم يرد في الآية، وإنما ذكر في جملة ما ذكر من أخبارهم، فالله تعالى أعلم.
وهل قولنا: إن الذي في بطونها هي الأجنة ينفي قول من قال: إنه اللبن، أم أن هذا من جملة ما يدخل فيه، ويكون هذا من قبيل التفسير بالمثال؟
قد يكون كذلك، ولهذا فإن ابن جرير - رحمه الله - حمل ذلك على ما يصدق عليه أنه داخل في هذا الإطلاق، ويقول: إن الله لم يخص نوعاً دون نوع، ولا شيئاً دون شيء، فيدخل فيه الأجنة، ويدخل فيه اللبن.
في قوله: وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا [سورة الأنعام:139] هل يقصدون بهذا أنه يحرم على الزوجة فقط، أم المقصود جملة النساء؟
المقصود أنه محرم على النساء؛ لأن الزوجة هي بنت بالنسبة لأبيها، وهي أم بالنسبة لأولادها، وهي أخت بالنسبة لأخيها وهكذا، فالأزواج في كلامهم - كما يقول ابن جرير وكما هو معروف في كلام العرب - المقصود به نساؤهم، لكن ليس المراد أنهم يحصرون ذلك التحريم على الزوجة فقط بل المقصود جملة النساء - والله أعلم -.
في قوله تعالى: سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ [سورة الأنعام:139] بعضهم يقول: هذا على نزع الخافض، أي: سيجزيهم بوصفهم، وبعضهم يقول: فيه مقدر محذوف هكذا: سيجزيهم جزاء وصفهم، والوصف هذا هو الكذب والافتراء على الله - تبارك وتعالى -، والقول عليه بلا علم، وسيجزيهم بهذا العمل، وبهذا الافتراء الذي افتروه عليه.