الثلاثاء 01 / ذو القعدة / 1446 - 29 / أبريل 2025
وَقَالُوا۟ مَا فِى بُطُونِ هَٰذِهِ ٱلْأَنْعَٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰٓ أَزْوَٰجِنَا ۖ وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ ۚ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ ۚ إِنَّهُۥ حَكِيمٌ عَلِيمٌ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ [سورة الأنعام:139].
قال أبو إسحاق السبيعي عن عبد الله بن أبي الهذيل عن ابن عباس - ا -: وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا [سورة الأنعام:139] الآية، قال: اللبن.
وقال العوفي عن ابن عباس - ا -: وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا [سورة الأنعام:139] فهو اللبن كانوا يحرمونه على إناثهم، ويشربه ذكرناهم، وكانت الشاة إذا ولدت ذكراً ذبحوه، وكان للرجال دون النساء، وإن كانت أنثى تركت فلم تذبح، وإن كانت ميتة فهم فيه شركاء، فنهى الله عن ذلك، وكذا قال السدي.
وقال الشعبي: البحيرة لا يأكل من لبنها إلا الرجال، وإن مات منها شيء أكله الرجال، والنساء، وكذا قال عكرمة، وقتادة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم".


التفصيلات في القضايا التي ذكرها الله - تعالى - بقوله: مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ [سورة المائدة:103] لا تعرف إلا بمعرفة ما كان عليه أهل الجاهلية، وبالنسبة للمنقولات التي ذكرت عنهم ما كانوا يفعلونه في الجاهلية مختلفة، وليست متفقة، ولذلك فإن الجزم بأن هذا هو الذي كانوا عليه، أو أن هذا هو المراد بدقة؛ هذا يصعب؛ لأنه يحتاج إلى معرفة هذه التفصيلات، وكذلك ما قد يذكر في بعض التفصيلات عند قوله: وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا [سورة الأنعام:139] فالأنعام التي جعلوها لغير الله هي الوصيلة، والسائبة، والبحيرة، والحام، فما الذي بطونها؟
المتبادر أن الذي في بطونها هي الأجنة، لكن هل كانوا يفرقون بين المولود الذكر والمولود الأنثى؟ هذا لم يرد في الآية، وإنما ذكر في جملة ما ذكر من أخبارهم، فالله تعالى أعلم.
وهل قولنا: إن الذي في بطونها هي الأجنة ينفي قول من قال: إنه اللبن، أم أن هذا من جملة ما يدخل فيه، ويكون هذا من قبيل التفسير بالمثال؟
قد يكون كذلك، ولهذا فإن ابن جرير - رحمه الله - حمل ذلك على ما يصدق عليه أنه داخل في هذا الإطلاق، ويقول: إن الله لم يخص نوعاً دون نوع، ولا شيئاً دون شيء، فيدخل فيه الأجنة، ويدخل فيه اللبن.

"وقال مجاهد في قوله: وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا [سورة الأنعام:139] قال: هي السائبة، والبحيرة".


في قوله: وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا [سورة الأنعام:139] هل يقصدون بهذا أنه يحرم على الزوجة فقط، أم المقصود جملة النساء؟
المقصود أنه محرم على النساء؛ لأن الزوجة هي بنت بالنسبة لأبيها، وهي أم بالنسبة لأولادها، وهي أخت بالنسبة لأخيها وهكذا، فالأزواج في كلامهم - كما يقول ابن جرير وكما هو معروف في كلام العرب - المقصود به نساؤهم، لكن ليس المراد أنهم يحصرون ذلك التحريم على الزوجة فقط بل المقصود جملة النساء - والله أعلم -.

"وقال أبو العالية ومجاهد وقتادة في قول الله: سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ [سورة الأنعام:139] أي: قولهم الكذب في ذلك، يعني كقوله تعالى: وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ۝ مَتَاعٌ الآية [سورة النحل:116-117].

في قوله تعالى: سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ [سورة الأنعام:139] بعضهم يقول: هذا على نزع الخافض، أي: سيجزيهم بوصفهم، وبعضهم يقول: فيه مقدر محذوف هكذا: سيجزيهم جزاء وصفهم، والوصف هذا هو الكذب والافتراء على الله - تبارك وتعالى -، والقول عليه بلا علم، وسيجزيهم بهذا العمل، وبهذا الافتراء الذي افتروه عليه.

"إِنَّهُ حِكِيمٌ أي: في أفعاله، وأقواله، وشرعه، وقدره عَلِيمٌ [سورة الأنعام:139] بأعمال عباده من خير وشر، وسيجزيهم عليها أتم الجزاء".

مرات الإستماع: 0

"وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ [الأنعام: 139] الآية، كانوا يقولون في أجنّة البحيرة، والسائبة: ما ولد منها حيا فهو للرجال خاصة، ولا يأكل منها النساء، وما ولد منها ميتا اشترك فيه الرجال، والنساء."

وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ يعني من لبن، أو أجنة خالصة، يعني حلال، أو خاصة يعني حلال لأزواجنا مثلا، أو حلال للرجال دون النساء، بمعنى إذا قيل: بأنه حلال، أو خاصة فبين القولين ملازمة إذا خصوه بهؤلاء دون هؤلاء فهم أحلوه لهم دون غيرهم، وهذا القول بأنهم كانوا يقولون في أجنة البحيرة، والسائبة، وما ولد منها حيا إلى آخره هذا مروي عن جماعة من التابعين كالشعبي، وعكرمة، وقتادة، وابن زيد[1] ومثل هذه الأشياء لا يرجع فيها إلا مجرد اللغة؛ لأن هذه تشريعات كانت لأهل الجاهلية، فمثل هذا في التفسير يحتاج فيه إلى معرفة أوضاع الجاهلية، يعني زيادة على اللغة لكن معرفة ذلك على التفصيل بوجه من التحقيق، والتدقيق قد لا يتوصل معه إلى مطلوب صحيح، بمعنى أن هذه الأشياء كما ذكرنا سابقًا مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ [المائدة: 103] أن كلام المفسرين، والمؤرخين في مثل هذا مضطرب، ومختلف غير متفق، فهي أوضاع جاهلية على كل حال بصرف النظر عن تحقيق المراد بكل لفظة عندهم في تشريعاتهم، وقد يكون ذلك لكون تلك التشريعات مضطربة أصلاً، يعني أن بعضهم، يقول كذا.

وبعضهم يقول: كذا لأنها تشريعات جاهلية، والجاهلية ترجع إلى الجهل فما ظنكم، والله يقول: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [النساء: 82].

"وأنث خالصة للحمل على المعنى، وهي الأجنة، وذكر محرم حملاً على لفظ ما، ويجوز أن تكون التاء للمبالغة."

وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ [الأنعام: 139] "ما" هذه من جهة اللفظ مذكر، فما قال: وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالص، و"ما" هذه مبهمة، يقول: للحمل على المعنى، وأيضًا المبالغة خالصة في خلوص ذلك للذكور دون الإناث، يعني إما أن يكون ذلك باعتبار المعنى ما في بطون هذه الأنعام خالصة حملا على المعنى، وليس على اللفظ، يعني الأجنة مثلا، أو الألبان هذه الأجنة خالصة، أو يكون ذلك للمبالغة مثل نسابة خالصة أصلها خالص، ويقال: علامة نسابة، ونحو ذلك فيكون على هذا الاعتبار ليس لمراعاة المعنى، يعني التأنيث، وإنما لأجل المبالغة يعني لحقتها التاء للمبالغة خالص خالصة، نساب نسابة، وذكر، ومحرم حملا على لفظ ما لاحظ لما راعى معناها أنث على القول بأن هذا التأنيث مراعاة لمعنى، أما إذا قيل: للمبالغة فلا، والتذكير، ومحرم يعني، وما قال، ومحرمة مراعاة للفظ ما هنا ذكر قال: ويجوز أن تكون للمبالغة في خالصة.

  1. تفسير القرطبي (10/289).