هذا بيان لجهل العرب قبل الإسلام فيما كانوا حرموا من الأنعام، وجعلوها أجزاء، وأنواعاً: بحيرة، وسائبة، ووصيلة، وحاماً وغير ذلك من الأنواع التي ابتدعوها في الأنعام، والزروع، والثمار، فبيّن - تعالى - أنه أنشأ جنات معروشات وغير معروشات، وأنه أنشأ من الأنعام حمولة، وفرشاً، ثم بيَّن أصناف الأنعام إلى غنم وهو بياض وهو الضأن".
قوله: ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يحتمل أن يكون النصب بفعل مقدر محذوف هكذا: كلوا ثمانية أزواج، أو أنشأ ثمانية أزواج، أو خلق ثمانية أزواج، ويحتمل أن يكون المراد كلوا ثمانية أزواج باعتبار أنه عائد إلى إلى قوله: كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ [سورة الأنعام:141]، ولكن هذا الثاني أي أن يكون عائداً إلى قوله: كُلُواْ فيه بعد؛ لأن الكلام هناك في الثمر حيث قال: كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ [سورة الأنعام:141]، ثم قال: وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [سورة الأنعام:142] أي ومن الأنعام حمولة، وفرشاً؛ كلوا ثمانية أزواج، يعني يكون قوله: كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ [سورة الأنعام:142] والذي رزقهم الله هي ثمانية أزواج.
ويحتمل أن يكون قوله: ثَمَانِيَةَ بدلاً من قوله: حَمُولَةً وَفَرْشًا [سورة الأنعام:142] يعني ومن الأنعام ثمانية أزواج، وهذه الثمانية لا يخرج منها الحمولة، والفرش.
ويمكن أن يكون بدلاً من "ما" في قوله: مِمَّا رَزَقَكُ اللّهُ [سورة الأنعام:142] والذي رزقهم الله هي ثمانية أزواج، والله أعلم.
والمقصود بالأزواج هنا الأفراد؛ فالزوج يطلق على الذكر والأنثى، تقول: هذا زوج فتطلقه على الذكر والأنثى معاً، ويقال للواحد منهما بأنه زوج باعتبار ما يقابله، ولهذا يقال: هذا زوج فلانة، وهذه زوج فلان، فهنا أطلق على الأفراد لفظ زوج، فقوله: ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يعني أنها باعتبار المجموع تعتبر أربعة؛ أي أن الذكر والأنثى زوج، وباعتبار الأفراد تعتبر ثمانية.
يقول تعالى: مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ [سورة الأنعام:143] الضأن معروف وهو جمع ضائن.
وقوله: وَمِنَ الْمَعْزِ قرأه كثيرون كابن عامر، وابن كثير، وأهل البصرة بفتح العين هكذا المَعَز وهي لغة فيه، والمعنى واحد.
وأنه - تعالى - لم يحرم شيئاً من ذلك، ولا شيئاً من أولادها، بل كلها مخلوقة لبني آدم أكلاً، وركوباً، وحمولة، وحلباً وغير ذلك من وجوه المنافع، كما قال: وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ الآية [سورة الزمر:6].
وقوله تعالى: أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ [سورة الأنعام:143] رد عليهم في قولهم: مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا الآية [سورة الأنعام:139]".
سألهم هذا السؤال فقال لهم: قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ [سورة الأنعام:143] يعني لا يخلو الحال من أن يكون ما حرمتموه على أنفسكم أن يكون هو الذكور مطلقاً أي يحرم عليهم كل ذكر، فالواقع أنكم تنتفعون بها في أوجه مختلفة من الأكل، والأشعار، والأصواف، إذن أنتم لم تمتنعوا من الانتفاع بها، وإما أن يكون المحرم عليكم هي كل أنثى، والواقع أنكم تنتفعون بها أكلاً، وبألبانها شراباً وما أشبه ذلك.
وبقي ما في بطونها فقال تعالى: أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ [سورة الأنعام:143] فسواء كان ما بطونها ذكراً أم أنثى فالواقع أن ما يخرج من بطونها لم تمتنعوا من الانتفاع به، فالله لم يحرم عليكم شيئاً من ذلك، ومع ذلك فأنتم متناقضون غاية التناقض؛ لا تقومون على أصل وقاعدة صحيحة، وإنما هو إفك، وافتراء، وتخرص ما أنزل الله به من سلطان.
هذا وجه الرد في قوله: قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ [سورة الأنعام:143] يعني وأنتم في الواقع لم تمتنعوا من ذكورها، ولا من إناثها، ولا مما اشتملت عليه البطون ذكوراً كانت أم إناثاً.
وقال العوفي عن ابن عباس - ا -: قوله: ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ [سورة الأنعام:143] فهذه أربعة أزواج.
قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ [سورة الأنعام:143] يقول: لم أحرم شيئاً من ذلك، أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ [سورة الأنعام:143] يعني هل يشتمل الرحم إلا على ذكر أو أنثى، فلمَ تحرمون بعضاً وتحلون بعضاً؟ نَبِّؤُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [سورة الأنعام:143] يقول تعالى: كله حلال".