الحافظ ابن كثير - رحمه الله - جمع المعاني التي قيلت فيمن يتوجه إليه قوله: فَإِن كَذَّبُوكَ فبعضهم يقول: هم المشركون؛ لأن سياق الحديث أصلاً في تحريم المشركين بعض الأشياء، وتحليل بعض الأشياء، فالله يرد عليهم، وكان من جملة ما ذكر أنه قص ما وقع لليهود في المحرمات، فالله أمر رسوله ﷺ أن يقول للمشركين: لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ [سورة الأنعام:145] وذلك عندما حرموا ما حرموا، وأباحوا ما أباحوا؛ قال تعالى: وَقَالُواْ هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نّشَاء الآية [سورة الأنعام:138] والمقصود أنه جاء الكلام على اليهود في ثنايا الرد على المشركين، ثم قال: فَإِن كَذَّبُوكَ أي هؤلاء الذين حرموا أشياء، وأحلوا أشياء من عند أنفسهم من المشركين فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ [سورة الأنعام:147].
وبعضهم يقول: فَإِن كَذَّبُوكَ [سورة الأنعام:147] يعني اليهود الذين قال الله فيهم: ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ أي: فيما أخبرتك ما الذي حرمت عليهم فَإِن كَذَّبُوكَ [سورة الأنعام:147] وقالوا: لا، ليس الأمر كذلك فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ [سورة الأنعام:147]، وبه قال ابن جرير - رحمه الله -.
فالشاهد أن الحافظ ابن كثير جمع بين المعنيين باعتبار أنه لا يوجد دليل يدل على تخصيص المشركين، أو اليهود بالضمير في قوله: فَإِن كَذَّبُوكَ [سورة الأنعام:147] فقال: "فإن كذبك يا محمد مخالفوك من المشركين، واليهود" أي الذين يحللون، ويحرمون، ويعتدون على شرائع الله : فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ [سورة الأنعام:147].
وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ [سورة الأنعام:147] ترهيب لهم من مخالفتهم الرسول خاتم النبيين، وكثيراً ما يقرن الله - تعالى - بين الترغيب والترهيب في القرآن كما قال تعالى في آخر هذه السورة إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ [سورة الأنعام:165]، وقال: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ [سورة الرعد:6]، وقال تعالى: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ [سورة الحجر:49-50]، وقال تعالى: غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ [سورة غافر:3] وقال: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ [سورة البروج:12-14]، والآيات في هذا كثيرة جداً".