الأربعاء 02 / ذو القعدة / 1446 - 30 / أبريل 2025
قُلْ فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَٰلِغَةُ ۖ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَىٰكُمْ أَجْمَعِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ [سورة الأنعام:149] يقول تعالى لنبيه ﷺ: قل لهم يا محمد فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ أي: له الحكمة التامة، والحجة البالغة؛ في هداية من هدى، وإضلال من ضل فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ [سورة الأنعام:149] فكل ذلك بقدرته، ومشيئته، واختياره، وهو مع ذلك يرضى عن المؤمنين، ويبغض الكافرين كما قال تعالى: وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى [سورة الأنعام:35] وقال تعالى: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ [سورة يونس:99].
وقوله: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ۝ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [سورة هود:119] قال الضحاك: "لا حجة لأحد عصى الله، ولكن لله الحجة البالغة على عباده"".

مرات الإستماع: 0

"قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ توقيف لهم، وتعجيز قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ [الأنعام: 149] لما أبطل حجتهم أثبت حجة الله ليظهر الحق، ويبطل الباطل."

قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ يعني البرهان كما هو معلوم، ومضى في مواضع، يقول ابن كثير: "أي: له الحكمة التامة، والحجة البالغة في هداية من هدى، وإضلال من ضل"[1] يعني لما احتجوا بالقدر رد عليهم بهذا: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ في الهدى، والضلال، وقال الضحاك: "لا حجة لأحد عصى الله، ولكن لله الحجة البالغة على عباده"[2] والبالغة هي التي تبلغ مراده في ثبوتها على من احتج بها عليه من خلقه، وقطع عذره إذا انتهت إليه، ليس لكم أن تحتجوا بقدره، وإنما الحجة التي تبلغ مراده، ويتحقق بها مقصوده لا شك أنها لله - تبارك، وتعالى - وهم محجوجون بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، والله - تبارك، وتعالى - أعطاهم إرادة، ومشيئة، وإن كانت لا تخرج عن مشيئته، وإرادته؛ ولكن الله يقول: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ۝ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ۝ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ۝ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل: 5 - 10] ولم يطلع هؤلاء على الغيب، وعلى ما كتب عليهم من الأعمال، والهدى، والضلال حتى يحتجوا بذلك، فالقدر لا يحتج به على المعايب بحال من الأحوال. 

  1. تفسير ابن كثير (4/298).
  2. المصدر السابق (3/358).