في قوله: وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ تحمل لفظة "مبارك" على أعم معانيها فيقال: هذا كتاب عظيم البركات لمن اتبعه في الدنيا، وفي الآخرة، كما قال بعض أهل العلم: "اشتغلنا بالقرآن فغمرتنا البركات" أي أنه يبارك للعبد في وقته، وفي عمله، وفي بذله، وفي شؤونه كلها، فهو يتقلب في بركة إذا كان يعيش مع هذا القرآن، ويشتغل بهذا القرآن، وتحصل له البركة أيضاً بتوفيق الله - تبارك وتعالى - له إلى ألوان الخيرات، وتحصل له أيضاً أنواع الهدايات، إضافة إلى ما يحصل له في الآخرة من الأجور، والدرجات العلى، فهذا القرآن مبارك.
وتوجد كثير من الأشياء لا نجد لها تفسيراً إلا أنها من بركة الاشتغال بالقرآن، فبعض الناس يبذلون جهوداً بسيطة تنتج عنها أمور عظيمة لا تفسير لها فيما يظهر إلا بركة هذا القرآن، فمن ذلك المدارس النسائية، وما فيها من جهود عجيبة لا أجد تفسيراً لكثير مما يجريه الله على أيديهن إلا بركة القرآن فقط، فمن اشتغل بالقرآن غمرته البركات؛ لأنه كتاب مبارك، وعزيز كما وصف الله ، ومن عزته أنه لا يوفق لمعانيه، ولا تفتح مغاليقه على القلوب المعرضة عنه، والمشتغلة بغيره من اللهو، أو العلوم التي هي دونه، أو نحو ذلك مع الغفلة عن هذا القرآن، وأشار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - إلى ذلك فيما ينقله بعضهم عند قوله ﷺ: إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة، ومما قال: "كذلك القلوب إذا كانت تحمل أخلاق الكلاب فإن الملائكة لا تدخلها بالمعاني الطيبة" - والله المستعان -.