الجمعة 04 / ذو القعدة / 1446 - 02 / مايو 2025
أَن تَقُولُوٓا۟ إِنَّمَآ أُنزِلَ ٱلْكِتَٰبُ عَلَىٰ طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَٰفِلِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ ۝ أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ [سورة الأنعام:156-157] قال ابن جرير: معناه وهذا كتاب أنزلناه لئلا تقولوا: إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا، يعني لينقطع عذركم كقوله تعالى: وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ الآية [سورة القصص:47]".


هذا الذي ذكره ابن جرير - رحمه الله - هو من أحسن ما قيل فيها، وقريب من هذا قول من قال: كراهية أن تقولوا، يعني كراهية أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا، أي لئلا تقولوا ذلك يعني لنقطع عذركم، ونقيم عليكم الحجة.

"وقوله تعالى: عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا [سورة الأنعام:156] قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - ا -: "هم اليهود، والنصارى"، وكذا قال مجاهد، والسدي، وقتادة وغير واحد.
وقوله: وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ [سورة الأنعام:156] أي: وما كنا نفهم ما يقولون؛ لأنهم ليسوا بلساننا، ونحن في غفلة، وشغل مع ذلك عما هم فيه".


قوله: وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ [سورة الأنعام:156] يعني عن تلاوتهم؛ لأنا لا نعرف لغتهم، ولذلك أنزل الله هذا الكتاب بلغتهم قال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ [سورة الجمعة:2].

مرات الإستماع: 0

"قوله تعالى: أَنْ تَقُولُوا في موضع مفعول من أجله تقديره: كراهة أن تقولوا."

كما يقول ابن جرير[1] بنفس المعنى، لئلا تقولوا، أن تقولوا، كراهة أن تقولوا، لئلا تقولوا، يعني يرد على المشركين، وأنزلنا عليكم هذا الكتاب لأجل ألا تقولوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا [الأنعام: 156] اليهود، والنصارى.

"قوله تعالى: عَلى طائِفَتَيْنِ أهل التوراة، والإنجيل وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ أي: لم ندرس مثل دراستهم، ولم نعرف ما درسوا من الكتب، فلا حجة علينا، وأن هنا مخففة من الثقيلة."

يكون المعنى كما يقول ابن كثير: "أي، وما كنا نفهم ما يقولون لأنهم ليسوا بلساننا، ونحن في غفلة، وشغل مع ذلك عما هم فيه"[2] كنا عن دراستهم لغافلين لا علم لنا بذلك، ولا بصر.

"قوله: فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ إقامة حجة عليهم."

فقد جاءكم بينة يعني فيه بيان الحلال، والحرام، كما يقول ابن كثير[3] بينة، والبينة تقال: للحجة الظاهرة، فهو يشمل هذا، وهذا - والله أعلم -.

"قوله تعالى: صَدَفَ أي: أعرض."

الصدوف هو الإعراض، وجاء هذا المعنى عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة[4] واختاره أبو جعفر ابن جرير[5] صدف يعني أعرض، فتكون صدف هنا لازمة، صدف في نفسه، يعني أعرض عن الحق.

وحمله بعضهم كما جاء عن السدي: "بأنه صرف الناس، وصدهم عن ذلك"[6] فتكون متعدية صدف، وهذا الذي اختاره ابن كثير[7] والشنقيطي[8] للجمع بين التكذيب، والصدوف، وكما قال الله : الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [النحل: 88] وقال: فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى ۝ وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [القيامة: 31 - 32] وقال: وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ [الأنعام: 26].

والأحسن من هذا، والأقرب - والله أعلم - وهو الذي تدل عليه هذه الآيات أن يكون صدف هنا محمولة على معنى كونها لازمة، يعني أعرض، ولكن كذب، وتولى هذا معنى أعرض، فصدف عنها بمعنى أعرض، وكذلك أيضًا صد الناس عن ذلك الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الحج: 25] فجمعوا بين التكذيب، وصد الناس وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ فجمعوا بين الابتعاد، والإعراض بالنأي، والنهي عن اتباعه، فتكون صدف هنا دالة على المعنيين، والقرآن يعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة، وهذا مثل: لفظة صد تماما، فإنها على الأقرب، والأرجح تحمل على المعنيين في كثير من المواضع في كتاب الله في صد الإنسان في نفسه تأتي لازمة، وكذلك في صد غيره عن الحق اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا [المجادلة: 16] صدوا في أنفسهم، وكذلك صدوا غيرهم، صدوا عن سبيل الله، عن اتباع الحق، صدوا عن الجهاد، أيضا صدوا كما قال بعض المفسرين هناك صدوا رسول الله ﷺ وأصحابه عن إقامة حكم الله فيهم بهذه الأيمان الكاذبة، يحلف بأنه ما قال إذا توجهت إليه الدعوى.

  1.  تفسير الطبري (10/5 - 6).
  2.  تفسير ابن كثير (3/370).
  3.  المصدر السابق.
  4.  المصدر السابق.
  5.  تفسير الطبري (10/10).
  6. تفسير ابن كثير (3/370).
  7.  تفسير الطبري (10/10).
  8.  أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (1/548).