الجمعة 04 / ذو القعدة / 1446 - 02 / مايو 2025
هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأْتِيَهُمُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِىَ بَعْضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِىٓ إِيمَٰنِهَا خَيْرًا ۗ قُلِ ٱنتَظِرُوٓا۟ إِنَّا مُنتَظِرُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ [سورة الأنعام:158] يقول تعالى متوعداً للكافرين به، والمخالفين لرسله، والمكذبين بآياته، والصادِّين عن سبيله: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ وهذا كائن يوم القيامة أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا [سورة الأنعام:158]، وذلك قبل يوم القيامة كائن من أمارات الساعة، وأشراطها".


قوله: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ يحتمل أن يكون المعنى أن تأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم، وهذا المعنى هو الذي رجحه ابن جرير - رحمه الله -، ويحتمل أن يكون ذلك بناء على اقتراحهم، وطلبهم؛ فيأتيهم العذاب معه كما اقترحوا هم وقالوا: لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا [سورة الفرقان:21] فرد الله عليهم بقوله: لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا [سورة الفرقان:21] ثم قال: يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا [سورة الفرقان:22] ولهذا قال بعض أهل العلم: بأن المراد بإتيان الملائكة في الآية يعني في اليوم الآخر كقوله تعالى: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا* الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا [سورة الفرقان:25-26] فيكون تنزل الملائكة في الآخرة.
وقوله: أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ [سورة الأنعام:158] أي يأتي ربك لفصل القضاء، ولا يصح أن يفسر بمجيء الملائكة، أو مجيء أمر الله ؛ لأنه أضاف الإتيان إليه ، ولا يجوز صرف القرآن عن ظاهره، وحمل ذلك على مجاز الحذف كما يقولون إلا بدليل، ولا يوجد دليل فوجب أن يقال: إن الله يأتي يوم القيامة لفصل القضاء.

"وذلك قبل يوم القيامة كائن من أمارات الساعة وأشراطها حين يرون شيئاً من أشراط الساعة".


قوله: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [سورة الأنعام:158] يعني يأتي بعض أشراط الساعة  كما ذكر ذلك الحافظ ابن كثير - رحمه الله -، وكما سيأتي أن المراد بها طلوع الشمس من مغربها، وهذا ما عليه عامة المحققين من أهل العلم من المفسرين وغيرهم.
ومن أهل العلم من قال: إن الآيات المشار إليها في قوله: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [سورة الأنعام:158] يعني الآيات التي اقترحوها، وذلك أنهم اقترحوا أن ينزل عليه ملك فيكون معه نذيراً أو نحو ذلك، فإذا نزلت هذه الآيات، وتحققت؛ فالإيمان يكون ملجئاً، يعني أن ذلك لا مجال معه للمكابرة إطلاقاً، ولذلك في هذه الحال لا ينفع الإيمان، ولهذا قال الله : الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [سورة البقرة:3] فإذا رأوا هذه الآيات التي اقترحوها فعندئذ يكون الإيمان ملجئاً لا ينفعهم، ولكن في هذا القول نظر؛ لأن الله قد أنزل آيات على الأنبياء، فآمن من آمن فنفعهم الإيمان، ونزول هذه الآيات لا يقال: إنه لا ينفع معه إيمان، فالمعجزات إنما نزلت من أجل إقامة  الحجة على الخلق، وإثبات النبوة؛ فينفع الإيمان معه، والخلاصة أن قوله: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يعني طلوع الشمس من مغربها، والله أعلم.

"كما روى البخاري في تفسير هذه الآية عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا رآها الناس آمن من عليها فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل[1]".


هذا التفسير من قبيل التفسير النبوي الذي لا احتمال فيه، ولا يدخله الاجتهاد، وقد صحَّ ذلك عن رسول الله ﷺ فلا يلتفت إلى قول من سواه كقول من قال: إن المقصود بها الآيات المقترحة أو غير ذلك، فالنبي ﷺ ذكر الآية في هذا المقام أنها طلوع الشمس من مغربها وقال: فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل فالقول الآخر وإن قال به جماعة من أهل العلم من السلف لكنه مخالف لصريح ما ثبت عن رسول الله ﷺ في تفسير الآية.

"وروى ابن جرير عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض[2] ورواه أحمد وعنده: والدخان[3].
روى الإمام أحمد عن عمرو بن جرير قال: جلس ثلاثة نفر من المسلمين إلى مروان بالمدينة فسمعوه وهو يحدث عن الآيات يقول: إن أولها الدجال، قال: فانصرفوا إلى عبد الله بن عمرو - ا - فحدثوه بالذي سمعوه من مروان في الآيات فقال: لم يقل مروان شيئاً، حفظت من رسول الله ﷺ يقول: إن أول الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة ضحى؛ فأيتهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها ثم قال عبد الله وكان يقرأ الكتب: وأظن أولها خروجاً طلوع الشمس من مغربها، وذلك أنها كلما غربت أتت تحت العرش، وسجدت، واستأذنت في الرجوع، فأذن لها في الرجوع؛ حتى إذا بدا الله أن تطلع من مغربها فعلت كما كانت تفعل - أتت تحت العرش فسجدت، واستأذنت في الرجوع - فلم يرد عليها شيء، ثم استأذنت في الرجوع فلا يرد عليها شيء.
قوله: "حتى إذا بدا الله أن تطلع من مغربها" يعني حتى إذا أراد ذلك.
حتى إذا ذهب من الليل ما شاء الله أن يذهب، وعرفت أنه إذا أذن لها في الرجوع لم تدرك المشرق قالت: رب ما أبعد المشرق؟ من لي بالناس؟ حتى إذا صار الأفق كأنه طوق استأذنت بالرجوع فيقال لها: من مكانك فاطلعي، فطلعت على الناس من مغربها، ثم تلا عبد الله هذه الآية: لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا الآية [سورة الأنعام:158]، وأخرجه مسلم في صحيحه، وأبو داود، وابن ماجه في سننيهما[4]".


بعض من يتكلم بالتفسير العلمي والإعجاز يقولون عند هذه الآية: إن هناك تناقص محسوب في الحركة، وهو مستمر مطرد حتى يأتي يوم من الأيام فتخرج من مغربها، فقال أحد الحاضرين: إذاً نستطيع أن نحسب هذا، وبالتالي نعرف متى تطلع الشمس من مغربها، يعني نعرف متى يوم القيامة؟! فقال: لا، ليس الأمر كذلك؛ لأنه قد تحصل أمور في الكون تسرع بهذا الموضوع أو تبطئه، فالمعنى أنه لو استمر الوضع على ما هو عليه فإننا نستطيع نعرف متى القيامة بالضبط، وهذا كلام غريب.
ومنهم من لا يفهم أن الشمس تسجد تحت العرش فهذا مما لا يصل إلى عقولهم، بل يضيق عطنهم عنه تماماً، حتى كأن الحديث لم يرد أصلاً، فهم لا يفهمون إلا أن المسألة عبارة عن هذا البطء المحسوب، ثم بعد ذلك تكون النتيجة الطبيعة أنها تطلع من الغرب، وانتهى الأمر عند هذا الحد.
لا يعرفون مسألة السجود تحت العرش، ولا أنها تُحبس، ثم يقال لها: أرجعي من حيث أتيت، وإذا جئت تناقشهم قالوا: إن هذا الذي يقولونه ليس تفسيراً أصلاً.
المقصود: أن هذا الحديث أول الآيات خروجاً طلوع الشمس فيه إشكال؛ لأن خروج الدجال يكون قبل طلوع الشمس من مغربها، ولهذا قال بعض أهل العلم: الآيات منها ما هو آيات سماوية، ومنها ما هي آيات أرضية، فأول الآيات السماوية هي طلوع الشمس من مغربها، وأول الآيات الأرضية هي خروج الدجال، وأما الدابة فإن خروجها يكون قريباً من طلوع الشمس من مغربها حيث تخرج ضحى، وعموماً فالآيات الكبرى تتابع.
وقد تكلم العلماء على مسألة طلوع الشمس من مغربها هل إذا طلعت ترجع إلى حالتها الأولى بعد ذلك حتى قال بعض أهل العلم: إن ذلك يستمر حتى يتناسى الناس ذلك اليوم الذي خرجت فيه من مغربها، ويرجع الكافر إلى كفره، والعاصي إلى معصيته، وعندئذ يقبل العمل، وهذا قول فيه نظر، ولا دليل عليه، بل الأصل أنها إذا خرجت من مغربها فالحال كما قال الله : لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [سورة الأنعام:158] يعني لا ينفعها لا في تلك الحال، ولا بعدها، فذلك هو الحد الذي لا يقبل فيه الإيمان، ولا التوبة بالنسبة لعموم الخلق، وأما بالنسبة لكل إنسان فلا ينفعه الإيمان إذا بلغت الروح الحلقوم، بخلاف ما إذا كان في مرض الموت، ولذلك فالنبي ﷺ دعا أبا طالب في مرض موته قائلاً له: كلمة أحاج لك بها عند الله[5] وذلك قبل أن يصل إلى الغرغرة - والله أعلم -.
وبالنسبة لحديث أبي هريرة : ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها، طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض[6] فأمر الدابة قد سبق أنها تكون قريبة جداً من طلوع الشمس من مغربها لكن ذكر خروج الدجال لا يخلو من إشكال، ولذلك تكلم الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - على هذه القضية كلاماً جيداً أطال فيه، حيث تكلم على هذه الروايات، وذكر كلام أهل العلم، ورجح بينها، وذلك في تفسيره الذي كان يلقيه في المسجد النبوي، وليس في أضواء البيان.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى: "لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ [سورة الأنعام:158] إذا أرادت أن تجدد الإيمان بعد إتيان بعض تلك الآيات لا ينفع منها ذلك الإيمان، وجماهير علماء التفسير والأحاديث الصحيحة دلت على أن المراد ببعض الآيات التي إذا جاءت لا يقبل إيمانٌ من كافر، ولا توبة من عاصٍ؛ أن المراد بها طلوع الشمس من مغربها؛ لأن الشمس ستطلع يوماً من مغربها يقيناً كما تواترت به الأحاديث عن النبي ﷺ، وهو ثابت في الصحاح - في الصحيحين وغيرها -، وفي صحيح البخاري أنها إذا طلعت من مغربها فرآها الناس آمن جميع من على وجه الأرض، ولم يكن ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت، وهذا فيه إشكالات معروفة؛ لأن الأحاديث الصحيحة هنا فيها إشكالات معروفة، ونحن في الحقيقة لم نرَ من حرر المقام فيها تحريراً شافياً؛ لأن كون الآية التي إذا أتت هي طلوع الشمس من مغربها هذا ثابت في الصحيحين، وفي غيرهما، وهو يدل على أن طلوع الشمس من مغربها ليس أول الآيات، وأن مجيء الدجال يقبل بعده إيمان الكافر، وتوبة العاصي.
ونزول عيسى يقبل بعده إيمان الكافر كما قال تعالى: وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ [سورة النساء:159]، وهذا يدل على أن طلوع الشمس من مغربها ليس أول الآيات، ويشكل عليه حديثان ثابتان في صحيح مسلم وغيره، فإنه في صحيح مسلم أن النبي ﷺ قال: إن أول الآيات طلوع الشمس من مغربها، وفي صحيح مسلم أنه قيل له: إن مروان بن الحكم يقول: إن أول الآيات خروج الدجال، فقال: ما قال مروان شيئاً، سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن أول الآيات طلوع الشمس من مغربها، وهذا الحديث مشكل إذا كان طلوع الشمس من مغربها قبل الدجال، والعلماء مجمعون على أنه لا إيمان يقبل من كافر بعد طلوع الشمس من مغربها، إذاً يكون زمن الدجال، وعيسى بن مريم لا تنفع فيه الأعمال، وهذا مخالف لظواهر النصوص الكثيرة؛ ففي حديث عبد الله بن عمرو - ا - هذا أعظم إشكال.
ومن الأحاديث المشكلة أيضاً ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة : ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل ثم ذكر الثلاث: الدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وهذا يدل على أنه لا توبة تقبل بعد مجيء الدجال، وهذا خلاف الظاهر المعروف من النصوص، فحديثا مسلم هذان مشكلان جداً على قوله: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا [سورة الأنعام:158] وعلى ما عليه جمهور العلماء من أنه طلوع الشمس، والإشكال في هذه الأحاديث لم نجد من حرر المقام فيه تحريراً شافياً يجب الرجوع إليه.
والذي يظهر لنا أن الآيات العظام نوعان، فقد ثبت في صحيح مسلم أن الآيات الكبار عشر، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث حذيفة بن أسيد الغفاري أن النبي ﷺ قال: لن تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات[7] وهذه الآيات العشر عند العلماء هي العلامات الكبار، ثم عدها النبي ﷺ فيما روى عنه مسلم من حديث حذيفة بن أسيد الغفاري ، وعدَّ منها ثلاثة خسوف: خسف بالمغرب، وخسف بالمشرق، وخسف بجزيرة العرب، وخروج الدجال، ويأجوج ومأجوج، ونزول عيسى بن مريم، وخروج دابة الأرض، وطلوع الشمس من مغربها، والدخان، وهذا الدخان الذي ذكره مسلم في صحيحه هنا، قال بعض العلماء: إنه هو المذكور في سورة الدخان، وأنه لم يأتِ إلى الآن، وأنه هو في قوله: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ [سورة الدخان:10] قالوا: وهو دخان يمكث أياماً يأخذ بنفس الكافر، ويأخذ المؤمن منه شبه الزكام، وأنه من العلامات التي ستأتي، ولم يأتِ إلى الآن.
وكان عبد الله بن مسعود يقول: إن الدخان المذكور قد مضى وهو ما أصاب ربيعة، ومضر؛ من الجوع لما دعا النبي ﷺ عليهم، وقال: اللهم اشدد وطأتك على مضر الله، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف[8] وأنهم جاءهم من الجوع ما أكلوا معه العلهز، والعلهز: شيء كانوا يصنعونه من الوبر والدم يأكلونه عند شدة الحاجة، كأن الإنسان لشدة الجوع يخيل له أن أمام عينيه شبه الدخان، وأن ذلك الذي يخيل لعينيه مما يشبه الدخان من شدة الجوع أنه هو معنى فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ [سورة الدخان:10] أي: فيما تظنه أعينهم من شدة القحط، والجوع.
هذا تفسير عبد الله بن مسعود وطائفة من العلماء للدخان، وفسره جماعة آخرون بالدخان الذي عدَّه مسلم في الآيات العشر العظام التي هي: الدخان، والدابة، والدجال، وخروج يأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم - وفي بعض الروايات بدل نزول عيسى بن مريم ريح تلقيهم في البحر -، وخسف بالمغرب، وخسف بالمشرق، وخسف بجزيرة العرب، وآخرها نار تخرج من قعر عدن تسوق الناس، أو ترحل الناس إلى المحشر.
هذه الآيات العشر، أما الأحاديث الصحيحة الثابتة في أنه تخرج نار بالحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى فهذه قد مضت بلا نزاع، وهي النار التي اشتعلت في الحرة، واشتعالها، وتاريخ اشتعالها؛ معروف فقد فاتت، وهي من معجزاته ﷺ.
وكان الشيخ ابن الجوزي يقول: إن الخسوف الثلاثة قد مضت، وأنه وقع في عراق العجم خسف عظيم هو خسف المشرق؛ هلك فيه خلق عظيم، وأنه وقع كذلك في المغرب، ويزعم أنه وقع في جزيرة العرب.
فعلى كل حال هذه الآيات العشر هي التي ذكرها مسلم في صحيحه أنها الآيات العظام (العلامات الكبرى للقيامة)، وقد بيّنا أن جل علماء التفسير والأحاديث الصحيحة تبيّن أن بعض الآيات التي إذا أتت لا ينفع نفساً إيمانها أنه طلوع الشمس من مغربها، وستطلع من مغربها يقيناً بلا شك؛ لأن الصادق المصدوق ﷺ بيّن أنها ستطلع من مغربها بروايات صحيحة لا مطعن فيها، وهو الصادق المصدوق لا يقول إلا الحق، وطلوعها من مغربها أكبر دليل على تخريف وخرق أصحاب الهيئة الكذابين الذين يقولون: إن حالة الشمس والقمر دائبة لا تتغير، ولا يعروها تغيُّر، فسيرى الحاضرون منهم لذلك الوقت أنها تتغير، وأنها تطلع صباحاً من مغربها كما كانت تطلع من مشرقها، ويعلمون أن لها صانعاً حكيماً مدبراً هو الذي يجريها كيف يشاء على النحو الذي يشاء.
ووجه إشكال حديثي مسلم أن حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيح مسلم أن النبي ﷺ قال: إن أول الآيات طلوع الشمس من مغربها[9]، وطلوع الشمس من مغربها لا خلاف بين العلماء أنه من بعض الآيات التي إذا جاءت لم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، فيلزم على هذا الحديث الذي رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه لا إيمان ولا توبة أيام الدجال، وعيسى، وهذا خلاف التحقيق، فالحديث مشكل.
والحديث الثاني: هو ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة: ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً وذكر الثلاث فقال: الدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها فعلى مقتضى هذا الحديث الثابت في صحيح مسلم أن العمل لا يقبل أيضاً بعد الدجال، وهو خلاف الظاهر، والتحقيق.
وقد ذكرنا أنا لم نرَ ممن تكلموا على أحاديث مسلم من شفا الغليل في هذا شفاء واضحاً تتفق به الأحاديث مع الواقع، والذي يظهر لنا - والله تعالى أعلم - أن الآيات الكبار العظام على نوعين:

أحدهما: آيات أرضية تدل على حدوث أمور عظام هائلة في العالم السفلي والأرض، وأول هذه: الدجال كما كانوا يقولونه؛ لأن الدجال ينزل قبل نزول عيسى بن مريم، أو أول هذه الآيات العظام الدجال؛ لأن الدجال يدرك عيسى بن مريم فيقتله، وبعض العلماء يقول: إن عيسى بن مريم ينزل قبل الدجال، ويصلي في إمام المسلمين المهدي الذي ثبتت الأحاديث الصحاح به، وعقد له أبو داود كتاباً باسم المهدي، وهو أيضاً آتٍ لا محالة؛ وإن أنكره من أنكره؛ لأن الأحاديث الصحيحة ثابتة بمجيئه عن النبي ﷺ ثبوتاً لا مطعن فيه، فأول الآيات الأرضية العظام نزول الدجال؛ لأن الدجال أكبر حادث يقع في الأرض، وأعظم فتنة تقع في الأرض، وقد صرحت الأحاديث أنه منذ خلق الله الدنيا لم تقع في الأرض فتنة أعظم من الدجال؛ لأن معه ناراً ونهراً، وناره ماء، ونهره نار، ولأنه يأتي القوم فيصدقونه فيقول للسماء: أمطري، وللأرض: أنبتي، فتطيعه في ذلك، فتروح سارحتهم أعظم ما كان ضروعاً، وأمدَّه خواصر، ويحيي للرجل أباه وأمه، ويشق الرجل نصفين حتى يروه نصفين، ثم يجمع بين نصفيه، فيرون أنه يحييه، وهو أعظم فتنة في الأرض، كأن مثلاً من قال: إن أول الآيات خروجاً الدجال يعني أول الأحداث الأرضية التي تكون في الأرض تؤذن بأمور عظام، وقرب انقضاء الدنيا، وأن طلوع الشمس من مغربها أول الآيات التي هي من العالم العلوي المؤذنة بزوال العالم العلوي وانقضائه، فيكون كون الشمس أول الآيات يعني باعتبار ما هو من جنسها كتغيير العالم العلوي، ويكون الدجال أول الآيات باعتبار العالم الأرضي.
وعلى كل حال فالشمس إذا طلعت من مغربها أغلق باب التوبة، وطلوع الشمس، والدابة؛ مترادفان بينهما قليل، جاء في بعض الأحاديث أن الشمس إذا طلعت من مغربها خرجت الدابة ضحى[10].
والدابة هي التي يأتي ذكرها في النمل في قوله: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ [سورة النمل:82]، وفي القراءة الأخرى: إن الناس كانوا بآياتنا الآية.
وقال بعض العلماء: والحكمة في إتيان الدابة بعد الشمس أن الشمس إذا طلعت من مغربها ختم على الأعمال، ولم يقبل من كافر إيمان، ولم يقبل من عاص توبة، وانقطع تجديد إيمان جديد، أو توبة جديدة، فيرسل الله بعد ذلك الدابة فتكتب على جبهة كل إنسان "سعيد"، أو "شقي"؛ يعرفه من يراه، لتبيّن حال الناس عند انقطاع أعمالهم من هو الكافر منهم، ومن هو السعيد.
والحاصل: أن أكثر أهل العلم والأحاديث الصحيحة دلت على أن الآية التي إذا جاءت لا يقبل من أحد إيمان هو طلوع الشمس من مغربها، وفيها أحاديث كثيرة، وفيها حديث أبي ذر المشهور: أنها تسير كل يوم فتسجد لمستقر لها تحت العرش، ثم تستأذن فيؤذن لها فترجع، فإذا كان اليوم الذي يريد الله طلوعها من مغربها تستأذن فلا يؤذن لها[11].
ويقول المفسرون وبعض المحدثين: إن تلك الليلة تطول جداً، وينتظر الناس الصباح فيطول عليهم الليل، فتستأذن الشمس فيقال لها: اطلعي من مغربك، فتصبح طالعة للناس من مغربهم، فإذا رأوها آمن جميع من في الأرض، وعلموا أن للكون خالقاً حقاً، ولم يبق أحد منهم إلا وهو مؤمن، وذلك الوقت لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيراً.
وذهب بعض العلماء ونصره أبو عبد الله القرطبي أنها بعد طلوعها من مغربها سترجع إلى عادتها، وتطلع من مشرقها، وترجع الدنيا إلى حالها، وأنه إذا تقادم عهدها، وصار الناس يسمعون بخبرها أنها حينئذ تقبل توبة الكافر إذا تاب، والعاصي إذا تاب، وهذا قال به بعض العلماء، ولكنه خلاف التحقيق؛ لأن ظاهر الأحاديث الكثيرة، والآية الكريمة؛ أنه بعد إتيان الآية لا ينفع نفساً إيمانها، وهو نفي مطلق إلى يوم القيامة.
وقال بعض العلماء: تؤمر الحفظة بطي الصحف، وطرح الأقلام، ولا ينفع أحداً عمل، ويختم على كلٍ بعلمه.
وقوله: لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ [سورة الأنعام:158] يفهم منه أن النفس التي طلعت عليها الشمس من مغربها وهي مؤمنة من قبلُ أنها في خير، وعلى خير، وأن إيمانها نافع لها.
وقوله: أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [سورة الأنعام:158] يفهم منه أن النفس المؤمنة التي كانت تعمل الخير أنها في خير، وعلى خير، وأما النفس التي كانت مؤمنة، ولم تعمل في إيمانها الخير؛ بأن كانت ترتكب المعاصي، وتخالف الله، ثم أرادت عند طلوع الشمس أن تتدارك ذلك بالتوبة فلا يقبل ذلك منها؛ لقوله: أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [سورة الأنعام:158].
كان بعض العلماء يقول: من طلعت الشمس من مغربها وهو على الاستقامة، وطاعة الله؛ كتب له ما كان يفعل دائماً، وهذا القول وإن كان ظاهر الآية لا يساعد عليه إلا أنه غير بعيد؛ لأنه دلت نصوص أخر على أن الإنسان المواظب على الخير إذا عاقه عنه عائق كمرض، أو سفر؛ أنه يكتب له ما كان يواظب عليه من الخير إذا عاقه عنه مرض".
من أراد أن ينظر في استعداد كثير من الناس لاتِّباع الدجال الأكبر فلينظر إلى حالهم في هذا العصر في إتباعهم للدجالين، وكيف كان حالهم يوم صاح بهم دجال العصر - نسأل الله العافية -: "ومن لم يكن معنا فهو ضدنا" فإنهم تهافتوا عليه، وانجفلوا، وهو لا يملك عشر ما يملكه الدجال الأكبر الذي يشق الرجل نصفين، ثم يحييه من جديد، ويمر على الأرض الخربة ويقول: "أخرجي كنوزك" فتتبعه كيعاسيب النحل، ويمر على القوم ممحلين فيطيعونه، ويمر على القوم لا يستجيبون له فيحصل لهم الجدب، فتلك أعظم فتنة، فإذا كان الناس تهافتوا في هذا الزمان على من هو دون الدجال الأكبر ممن يهددهم بالحصار الاقتصادي، أو يهددهم أنه يقاتلهم - وقد يتورط فينهزم -؛ فكيف بالدجال الأعظم اللي لا قبل لهم به، نسأل الله العافية؟
فالثبات على المبادئ أمر مهم جداً؛ لأن الذين يثبتون على مبادئهم هذه الأيام هم الذين يرجى لهم الثبات إذا خرج الدجال الأكبر، والله المستعان.

"فقوله تعالى: لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ [سورة الأنعام:158] أي: إذا أنشأ الكافر إيماناً يومئذ لا يقبل منه، فأما من كان مؤمناً قبل ذلك فإن كان مصلحاً في عمله فهو بخير عظيم، وإن لم يكن مصلحاً فأحدث توبة حينئذ لم تقبل منه توبته؛ كما دلت عليه الأحاديث المتقدمة، وعليه قوله تعالى: أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [سورة الأنعام:158] أي: ولا يقبل منها كسب عمل صالح إذا لم يكن عاملاً به قبل ذلك".


فهذه الآية دلت على أن الكافر لا ينفعه الإيمان إذا طلعت الشمس من مغربها، وأن المؤمن إذا كان مفرطاً مضيعاً، تاركاً للعمل، ثم تاب إلى الله بعد رؤيته لهذه الآية العظيمة فإنه لا ينفعه ذلك، ولا يقبل منه هذا العمل، وإنما الذي ينفعه العمل هو الذي يكون مؤمناً قبل طلوع الشمس من مغربها، ويكون قد كسب في إيمانه خيراً، أما إذا طلعت الشمس من المغرب؛ فتوبة الكافر من الكفر لا تنفعه، وتوبة المضيع لحدود الله كذلك لا تنفعه التوبة؛ لأن باب التوبة يغلق يومئذٍ، وهذا هو معنى قوله تعالى: أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [سورة الأنعام:158] - والله تعالى أعلم - فمن تحقق فيه الشرطان - الإيمان، والعمل الصالح - قبل طلوع الشمس من مغربها فإن أعماله الصالحة بعد ذلك تنفعه، وتقبل منه، وبعبارة أخرى لا بد من شرطين قبل طلوع الشمس من مغربها هما: الإيمان، والعمل الصالح، والمقصود بالإيمان الانقياد، والتصديق، والإقرار، وعليه فالكافر لا تنفعه توبته من الكفر إذا طلعت الشمس من مغربها، والمؤمن لا تقبل توبته من المعاصي، والذنوب - إذا طلعت الشمس من مغربها -، أما بقية الأعمال الصالحة لمن كان مؤمناً قد كسب في إيمانه خيراً فإنه يستمر على عمله الصالح، ويقبل ذلك منه العمل الصالح، أما من كان مؤمناً لا يعمل صالحاً فإنه لا تقبل منه التوبة بالعودة إلى الأعمال الصالحة، وكذا التوبة من الأعمال السيئة إذا تاب بعد طلوع الشمس من مغربها؛ لأن باب التوبة يغلق للآية والأحاديث التي دلت على ذلك.

"وقوله تعالى: قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ [سورة الأنعام:158] تهديد شديد للكافرين، ووعيد أكيد لمن سوَّف بإيمانه، وتوبته؛ إلى وقت لا ينفعه ذلك، وإنما كان هذا الحكم عند طلوع الشمس من مغربها لاقتراب الساعة، وظهور أشراطها كما قال: فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ [سورة محمد:18]، وقوله تعالى: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ۝ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا الآية [سورة غافر:84-85]".


في الأشراط جمع شرط وهي العلامات، وعلامات الساعة التي ظهرت هي العلامات الصغرى، ومن ذلك بعث النبي ﷺ.

  1. أخرجه البخاري في كتاب التفسير - باب تفسير سورة الأنعام (4359) (ج 4 / ص 1697) ومسلم في كتاب الإيمان - باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان (157) (ج 1 / ص 137).
  2. أخرجه مسلم في كتاب الإيمان - باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان (158) (ج 1 / ص 138).
  3. مسند أحمد (9751) (ج 2 / ص 445).
  4. أخرجه مسلم مختصراً في كتاب الفتن وأشراط الساعة - باب في خروج الدجال ومكثه في الأرض ونزول عيسى وقتله إياه وذهاب أهل الخير (2941) (ج 4 / ص 2260) وأحمد بطوله في المسند (6881) (ج 2 / ص 201).
  5. أخرجه البخاري في كتاب التفسير - باب تفسير سورة براءة (4398) (ج 4 / ص 1717).
  6. - سبق تخريجه.
  7. أخرجه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة - باب في الآيات التي تكون قبل الساعة (2901) (ج 4 / ص 2225).
  8. أخرجه البخاري في كتاب الدعوات - باب الدعاء على المشركين (6030) (ج 5 / ص 2348) ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة (675) (ج 1 / ص 466).
  9. سبق تخريجه.
  10. أخرجه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة - باب في خروج الدجال ومكثه في الأرض ونزول عيسى وقتله إياه وذهاب أهل الخير (2941) (ج 4 / ص 2260) وأحمد بطوله في المسند (6881) (ج 2 / ص 201).
  11. أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق - باب صفة الشمس والقمر بحسبان (3027) (ج 3 / ص 1170).

مرات الإستماع: 0

"قوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ الآية: تقدّمت نظيرتها في البقرة، قوله: بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ أشراط الساعة، كطلوع الشمس من مغربها، فحينئذ لا يقبل إيمان كافر، ولا توبة عاص."

وبعضهم يقول: المقصود الآيات التي اقترحوها يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام: 158] والأقرب - والله أعلم - أنها الأشراط، أشراط الساعة، وفي حديث أبي هريرة في الصحيحين: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت، فرآها الناس آمنوا أجمعون، فذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها[1].

وكذلك في حديث أبي ذر عند مسلم في سجود الشمس، وفيه: فتصبح طالعة من مغربها فقال رسول الله ﷺ: هل تدرون متى ذاكم؟ ذاك حين لا ينفع نفسًا إيمانها[2] فهذا تفسير صريح للآية ذكرت معه في الحديث فلا عدول عنه.

وهذا المعنى هو الذي اختاره أبو جعفر ابن جرير - رحمه الله -[3] فليس المقصود الآيات التي اقترحوها، فإن الآيات التي يقترحونها إذا جاءت ينفعهم الإيمان.

"فقوله: لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا [الأنعام: 158] يعني أن إيمان الكافر لا ينفعه حينئذ.

وقوله أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْرًا يعني أن من كان مؤمنا، ولم يكسب حسنات قبل ظهور تلك الآيات، ثم تاب إذا ظهرت: لم ينفعه لأن باب التوبة يغلق حينئذ."

وأما المؤمن الذي يعمل الصالحات فإن أعماله بعد ذلك تنفعه، وقال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: "أي لا يقبل منها كسب عمل صالح إذا لم يكن عاملا به قبل ذلك"[4] يعني أراد أن يتوب فالتوبة لا تنفع، ويغلق بابها.

وقال ابن جرير: "أو عملت في تصديقها بالله خيرا من عمل صالح يصدق قيله، ويحققه"[5] يعني يصدق قوله، دعوى الإيمان.

"قوله تعالى: قُلِ انْتَظِرُوا وعيد."

يعني: انتظروا إحدى المذكورات قبله قبل يوم القيامة من مجيء الملائكة لقبض الأرواح، أو أن يأتي الله في القيامة لفصل القضاء.

"قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ هم اليهود، والنصارى، وقيل: أهل الأهواء، والبدع."

اليهود، والنصارى؛ بهذا قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، والسدي[6] وابن جرير[7] وابن كثير[8] عمما ذلك، يعني قالا: هو في أهل الأديان اليهود، والنصارى، وغيرهم ممن فرقوا دينهم، وكانوا شيعا، وكذلك أيضا من فعله من هذه الأمة الذين فرقوا دينهم فهذا أمر مذموم فلا يكون هذا الذم متوجها لأهل الكتاب، ويغتفر ذلك في حق هذه الأمة، بل يكون أشد؛ لأنه كما قيل: على قدر المقام يكون الملام، فهذه الشريعة جاء فيها من البيان، والإيضاح، والتحذير، والنهي عن الافتراق ما لم يكن في غيرها، ولذلك فإن التفرق، والاختلاف هو من أعظم المنكرات، ومن أشنعها، وآثاره لا تخفى مشاهدة حال الأمة قديمًا، وحديثًا، وأولى الناس بمراعاة ذلك، ومعرفته، والتوبة منه هم المنتسبون إلى العلم، أو الدعوة إلى الله، أو الجهاد في سبيله، ونحو ذلك، وترك كل ما يؤدي إلى المشاحنات، والتفرق، والانقسام، وما أشبه ذلك، يكفي أن ينتسبوا إلى الإسلام، وأن يكونوا أمة واحدة، وأن يدعوا إلى الله - تبارك، وتعالى - على بصيرة من غير اعتبار آخر، ولا يجوز لأحد أن يفرق الأمة لأي سبب كان، بل يجتمعون على الحق، والدين الذي جاء به الرسول ﷺ وينتسبون إلى الأسماء الشرعية هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا [الحج: 78] وما عدا ذلك فلا يجوز.

"وفي الحديث أن رسول الله ﷺ قال: افترقت اليهود على إحدى، وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين، وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث، وسبعين فرقة، كلها في النار إلا، واحدة قيل: يا رسول الله، ومن تلك الواحدة؟ قال: من كان على ما أنا، وأصحابي عليه[9] وقرئ: (فارقوا) أي: تركوا."

هذه القراءة (فارقوا) لحمزة، والكسائي، والجمهور على قراءتنا، يعني فارقوا دينهم تركوه، والأخرى فرقوه يعني جعلوه متفرقًا، وبين القراءتين ملازمة، يعني المعنى يختلف، فكأن هذا التفرق، والتفريق يؤدي إلى الترك للدين، وهذا يدل على خطورة التفرق (الذين فارقوا دينهم، وكانوا شيعا) يعني لم يقل: فارقوا دينهم بالكفر فقط، لا وَكانُوا شِيَعًا وكذلك فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا [الأنعام: 159]. 

  1.  أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب طلوع الشمس من مغربها، برقم (6506) ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان، برقم (157).
  2.  أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان، برقم (159).
  3.  تفسير الطبري (5/200).
  4.  تفسير ابن كثير (3/376).
  5.  تفسير الطبري (10/28).
  6.  تفسير ابن كثير (3/376).
  7.  تفسير الطبري (10/36).
  8.  تفسير ابن كثير (3/376).
  9.  أخرجه الترمذي، بلفظ: ما أنا عليه، وأصحابي أبواب الإيمان عن رسول الله ﷺ باب ما جاء في افتراق هذه الأمة، برقم (2641) وحسنه الألباني في صلاة العيدين في المصلى هي السنة (ص: 46) وفي كلامه على حديث برقم (204) من السلسلة الصحيحة.