يقول تعالى آمراً نبيه ﷺ سيد المرسلين أن يخبر بما أنعم به عليه من الهداية إلى صراطه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، ولا انحراف.
دِينًا قِيَمًا أي: قائماً ثابتاً".
قوله تعالى: دِينًا قِيَمًا - بالتخفيف - هذه قراءة الكوفيين وابن عامر، وعلى قراءة بقية السبعة بالتشديد (ديناً قيّماً)، والمعنى في القراءتين واحد بمعنى أنه دين مستقيم لا اعوجاج فيه كما قال: هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ، وكقوله تعالى: ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ [سورة الروم:30] يعني الدين المستقيم، وكقوله تعالى: وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [سورة البينة:5] فقِيَماً وقيِّماً بمعنى الدين المستقيم، ثم بيّنه، ووضحه بقوله بعد: مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يعني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً مستقيماً ملة أبي إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -.
هذا جواب على سؤال مقدر هو أن النبي ﷺ إذا كان له في إبراهيم أسوة وقدوة، وهو مأمور باتباع ملة إبراهيم ﷺ؛ فإن المتبوع أكمل من التابع، فهو يقتدي به، ويتأسى به؛ ليحصل الكمال، فهل هذا يعني أن إبراهيم ﷺ أكمل وأفضل من نبينا محمد - عليه الصلاة والسلام -؟
فالجواب: لا، وقد ذكر أهل العلم هذا الإشكال والجواب عنه، وخلاصة ذلك أشار إليه الحافظ ابن كثير، ويمكن أن يوضح بعبارة أبين من هذا وهو أن يقال: إن اقتداء النبي ﷺ بإبراهيم - عليه الصلاة والسلام - ليكون بذلك محصلاً للكمال الذي حصله؛ فيزيد عليه النبي ﷺ بما حباه الله به من الفضائل، والكمالات فوق ذلك.
وهذه المسألة ذُكرت عند الكلام على الصلاة على النبي ﷺ في التشهد: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، حيث إن بعض أهل العلم ذكر الكلام على هذه المسألة هناك.
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس - ا - أنه قال: قيل لرسول الله ﷺ: أي الأديان أحب إلى الله - تعالى -؟ قال: الحنيفية السمحة[1]".
- أخرجه البخاري في الأدب المفرد (287) (ج 1 / ص 108) وأحمد (2107) (ج 1 / ص 236) والطبراني في الكبير (11597) (ج 11 / ص 227) وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (160).