قال مجاهد في قوله: إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي [سورة الأنعام:162] النسك: الذبح في الحج، والعمرة".
الحافظ ابن كثير - رحمه الله - مشى هنا على أساس أن النسك بمعنى الذبح، والنسك يطلق على الذبح، وهو عبادة من أجلِّ العبادات، فيقال للهدي، والأضحية: هذه نسيكة، ولهذا عبر بعض السلف عن هذا بالأضحية، وبعضهم قال: ما يذبح في الحج من الهدايا، وبعضهم فسره بما هو أعم من هذا قال: هو الحج، فالحج يقال له نسك، ولهذا يقال: أحكام المناسك، وبعضهم فسره بأعم من ذلك كله فقالوا: المراد بالنسك العبادة، يقال: فلان ناسك، وفلان يتنسك يعني يتعبد، فكل ذلك يقال له: نسك، فإذا فسر قوله: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي [سورة الأنعام:162] بهذا المعنى العام يكون هذا من باب عطف العام على الخاص يعني صلاتي، وعبادتي، وإذا فسر ببعض معناه كأن يقال: إن صلاتي، وحجي، أو إن صلاتي وذبحي لله - سواء كانت أضحية، أو الهدي الذي في الحج - فهذا يكون من عطف المتغايرات أي عطف الأنواع بعضها على بعض، ومن قال: إن النسك يعني الأضحية أو أنه الهدي فهذا من باب المثال، والذبيحة تشمل ذلك جميعاً، والله - تعالى - أعلم.
وقوله: وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي [سورة الأنعام:162] قال بعضهم: ومحياي أي: ما أعمله في حال الحياة من ألوان البر، والعمل الصالح، ومماتي أي: ما أتسبب في وقوعه بعد الموت كالوصية التي تنفذ بعد موته من صدقة ونحو ذلك.
وبعضهم قال: ومحياي، ومماتي؛ أن المراد بذلك الحياة والموت، أي أنه قد وجه وجهه لله رب العالمين وحده أفرده بالعبادة، فهو لا يتوجه إلى أحد سواه في صلاته، وفي ذبحه، وعبادته، وحياتُه كلها لله، ومماتُه كله لله لا يتوجه إلى أحد سواه، وهذا الذي فسرها به كبير المفسرين ابن جرير - رحمه الله -، والقول بأن المراد بذلك ما يعمله في الحياة، وبعد الموت؛ لا يبعد عن هذا؛ لأنه إذا كانت حياة الإنسان لله أصلاً، فمعنى ذلك أنه مشتغل بطاعته، وتوحيده، والتقرب إليه؛ والتوجه إليه، لا يشغله عن ذلك انصراف إلى معبود سواه، ولا يشغله عن ذلك اشتغال بهوى؛ فالهوى أيضاً سماه الله إلهاً قال تعالى: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [سورة الفرقان:43] فتكون حياته لغير الله ، فهو يحيا لشهواته، ونزوات نفسه، ويكون مضيعاً لأمر الله - تبارك وتعالى -؛ تاركاً له.
- أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها - باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه (771) (ج 1 / ص 534).