الإثنين 29 / شوّال / 1446 - 28 / أبريل 2025
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوٓا۟ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ۝ ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ۝ انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ۝ وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ۝ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [سورة الأنعام:22-26].
يقول تعالى مخبراً عن المشركين: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يوم القيامة".

قوله تعالى: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا [سورة الأنعام:22] الظاهر المتبادر أن تكون هذه جملة استئنافية تخبر عن هذا الأمر الذي سيكون لا محالة حينما يحشرون ويسألون عن شركائهم.
وابن جرير - رحمه الله - ربط هذه الآية بما قبلها أي بقوله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [سورة الأنعام:21] والمعنى: إنه لا يفلح الظالمون اليوم في الدنيا، ولا يفلحون يوم نحشرهم جميعاً في الآخرة، ثم ذكر ما يحصل لهم فقال: ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ [سورة الأنعام:22].
لكن الذي مشى عليه ابن كثير - رحمه الله -، ومشى عليه كثير من المفسرين أن هذه الآية لا ترتبط بما قبلها، أي أن المعنى تمَّ عند قوله: إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [سورة الأنعام:21] ببيان أنهم لا يفلحون في الدنيا، ولا في الآخرة؛ لأن الله أطلق نفي الفلاح عنهم، ثم ذكر ما يحصل لهم حينما يوجه إليهم هذا السؤال يوم القيامة، وذكر كيف يكون جوابهم فقال: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ الآيات [سورة الأنعام:22].
"وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا [سورة الأنعام:22] يوم القيامة، فيسألهم عن الأصنام، والأنداد التي كانوا يعبدونها من دونه".

لفظة: "جميعاً" في قوله تعالى: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا [سورة الأنعام:22] تحتمل معنيين:
الأول: أي: يوم نحشرهم مجتمعة أبعاضهم، وأجسادهم، وما تفرق منهم في الأرض.
والثاني: نحشرهم جميعاً أي فلا نغادر منهم أحداً كما قال تعالى: وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا [سورة الكهف:47] فالله يحشر الأولين والآخرين، والذين ظلموا، ونظراءهم، وأشكالهم كما قال تعالى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ [سورة الصافات:22] وهذا المعنى الثاني هو المتبادر، وهو الأقرب في تفسير الآية، وفي تفسير نظائرها من الآيات، والله تعالى أعلم.
"قائلاً لهم: أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ [سورة الأنعام:22] كقوله تعالى في سورة القصص: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ [سورة القصص:62]".

مرات الإستماع: 0

"أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ [الأنعام: 22] يقال لهم ذلك على، وجه التوبيخ تَزْعُمُونَ [الأنعام: 22] أي: تزعمون أنهم آلهة فحذفه لدلالة المعنى عليه، والعامل في يوم نحشرهم محذوف."

والعامل في يوم نحشرهم محذوف؛ ابن جرير - رحمه الله - اعتبره متعلقًا بما قبله، يعني إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [الأنعام: 21] اليوم وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا [الأنعام: 22] يعني: في الآخرة، يعني لا يفلحون لا في الدنيا، ولا في الآخرة وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ [الأنعام: 22] وهذا له نظائر، يعني بعضهم في مواضع من القرآن، يربطونه بما قبله.

وبعضهم يقول: العامل فيه مقدر محذوف، تقديره: واذكر، واذكر يوم، وهذا اختاره الواحدي[1].

وبعضهم يقول: بأن عامله نقول، وابن جرير - رحمه الله - ذكر ما سبق إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [الأنعام: 21] في الدنيا، ولا يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ [الأنعام: 22] ويمكن أن تكون جملة استئنافية، يعني إذا قيل بأنه عامل مقدر، واذكر يوم تكون جملة استئنافية، جديدة.

"ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ [الأنعام: 23] الفتنة هنا تحتمل أن تكون بمعنى الكفر، أي لم تكن عاقبة كفرهم إلا جحوده، والتبرؤ منه، وقيل: فتنتهم معذرتهم، وقيل: كلامهم."

هنا الفتنة ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ ابن كثير يقول: "يعني لم تكن حجتهم، إلا أن قالوا"[2].

وبعضهم يقول: ثم لم تكن بليتهم، كما قال عطاء الخرساني[3] يعني حينما ابتلوا قالوا ذلك، وهذا ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ يعني: فسره بأصل المعنى الذي هو الابتلاء، فأعاده إليه ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ.

ويمكن أن يفسر بمجموع ذلك، ثم لم تكن مقالتهم، وحجتهم؛ أو بليتهم التي ألزمتهم هذه الحجة، واضطرتهم إليها.

وبعضهم يقول: هو كفرهم، ثم ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ ابن القيم - رحمه الله - يفسره يقول: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ يعني عاقبة كفرهم ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ فالفتنة تقال: للاختبار، والابتلاء[4] وتقال: لنتيجته، فابن القيم فسرها بالنتيجة، ثم لم تكن عاقبة كفرهم، وما فسرها ببليتهم، فسرها بالمعنى الآخر أنه الامتحان، والاختبار، وابن جرير - رحمه الله - قال: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ أي: قولهم[5] لكن لما كان هذا الجواب واقعًا عند الاختبار، قيل له ذلك، فعبر بعضهم كابن جرير قال: قولهم، باعتبار أن هذا الجواب، وقع في حال الاختبار، فأُطلق عليه فتنة، وإلا فالأصل الفتنة هي الاختبار، أو نتيجة الاختبار سواء كانت حسنة، أو سيئة، فمنهم من فسر بالنتيجة، ومنهم من فسر بنفس الاختبار قال: بليتهم، ومنهم من فسره بقولهم باعتبار أن هذا القول وقع في حال الاختبار من هذا الوجه، وهذه متقاربة، ويمكن أن يعبر بها - والله أعلم - .

"وقرئ (فِتْنَتَهَمْ) بالنصب على خبر كان، واسمها أن قالوا، وقرئ بالرفع على اسم كان، وخبرها أن قالوا."

هذه كلها قراءات متواترة، ويقول: قرئ، بصيغة التمريض، لكن هنا لا يقصد صيغة التمريض، فتنتُهم، وفتنتَهم، فقراءة النصب هي قراءة الجمهور، وبالرفع هي قراءة ابن كثير، وابن عامر، وحفص، يقول: فتنتَهم بالنصب على خبر كان (لَمْ تَكُنْ فِتْنَتَهُمْ)؛ واسمها أن قالوا، وهذا مؤول بمصدر، في التأويل مصدر معنى قولهم.

فقرئ بالرفع على اسم كان، وخبرها أن قالوا، أيضًا كذلك يعني هي في تأويل المصدر يعني قولهم ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إلا قولهم. 

"وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام: 23] جحود لشركهم، فإن قيل: كيف يجحدونه، وقد قال الله وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء: 42]؟."

يعني هو جحود لشركهم كما قال الله : وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ [القصص: 62] وكما قال: ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ ۝ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئًا [غافر: 73 - 74].

"فإن قيل: كيف يجحدونه، وقد قال الله: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء: 42]؟

فالجواب: أن ذلك يختلف باختلاف طوائف الناس، واختلاف المواطن، فيكتم قوم، ويقر آخرون، ويكتمون في موطن، ويقرون في موطن آخر؛ لأن يوم القيامة طويل، وقد قال ابن عباس - ا - لما سُئل عن هذا السؤال: إنهم جحدوا طمعا في النجاة، فختم الله على أفواههم، وتكلمت جوارحهم فلا يكتمون الله حديثا."

وهذا الجواب واضح، أنهم يكتمون في بعض الأوقات، ولا يكتمون في وقت آخر، رواية عن ابن عباس - ا - جاءه رجل، فقال: إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي، وذكر: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء: 42] وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام: 23] فقد كتموا في هذه الآية، فقال ابن عباس - ا: "وأما قوله: مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام: 23] وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء: 42] فإن الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم، وقال المشركون: تعالوا نقول: لم نكن مشركين، فختم على أفواههم، فتنطق أيديهم، فعند ذلك عرف أن الله لا يكتم حديثًا، وعنده يود الذين كفروا الآية"[6] يعني لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء: 42] هذا جواب أنهم لا يكتمون في بعض الأوقات، ويكتمون في بعضها، يجحدون فيختم على الأفواه، فتنطق الجوارح، فعندئذ يقرون.

  1.  الوجيز للواحدي (ص: 348).
  2.  تفسير ابن كثير (3/246).
  3.  انظر: تفسير ابن كثير (3/246).
  4.  انظر: زاد المعاد في هدي خير العباد (3/151).
  5.  تفسير الطبري (9/189).
  6. صحيح البخاري (6/128) كتاب تفسير القرآن، باب قوله: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير، برقم (10594).