الأحد 13 / ذو القعدة / 1446 - 11 / مايو 2025
وَهُوَ ٱللَّهُ فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَفِى ٱلْأَرْضِ ۖ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وقوله: وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ [سورة الأنعام:3]  أي: هو المدعو "الله" في السماوات، وفي الأرض، أي: يعبده، ويوحده، ويقر له بالإلهية من في السماوات، ومن في الأرض، ويسمونه الله، ويدعونه رغباً ورهباً؛ إلا من كفر من الجن، والإنس كقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ [سورة الزخرف:84] أي: هو إلهُ مَنْ في السماء، وإلهُ من في الأرض، وهو الله يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ [سورة الأنعام:3] وقوله: وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ [سورة الأنعام:3] أي: جميع أعمالكم خيرها، وشرها".

هذا المعنى الذي ذكره ابن كثير - رحمه الله -، وحام حوله؛ هو أجود ما تفسر به الآية والله أعلم، وهو الذي عليه عامة المحققين من أهل العلم من المفسرين وغيرهم، أعني قوله: "أي: يعبده، ويوحده، ويقر له بالإلهية من في السماوات، ومن في الأرض، ويسمونه الله" يعني يعبده أهل السماء، ويعبده أهل الأرض.
وقوله: يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ [سورة الأنعام:3] يعني ومن صفته أنه يعلم ما تسرون، وما تعلنون.
ومن أهل العلم من قال: قوله: وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ [سورة الأنعام:3] يعني وهو الله يعلم سركم وجهركم في السماوات وفي الأرض، وهذا المعنى اختاره بعض أهل العلم، وقال النحاس: إن هذا هو الوجه في تفسيرها وأحسن ما قيل في معناها، لكنه لا يساعد عليه ظاهر السياق، أي ليس هذا هو المعنى المتبادر من الآية، والله تعالى أعلم.
وذهبت طائفة من أهل العلم - ومنهم كبير المفسرين ابن جرير رحمه الله - إلى أن قوله: وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ [سورة الأنعام:3] يعني وهو المألوه في السماوات، ثم وقفٌ تام، ثم تبدأ جملة جديدة: وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ [سورة الأنعام:3] فيكون قوله: وَفِي الأَرْضِ متعلقاً بما بعده وليس معطوفاً على ما قبله، وهذا المعنى وإن كانت تحتمله الآية إلا أن المعنى الأول أقرب منه، وقد وهَّن هذا القول الإمام ابن القيم - رحمه الله - وقال: "قال بعض المتسننة: إن المعنى كذا وكذا.. ثم رده، وضعفه".
والشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - له كلام في هذه الآية، وفيه أشياء مفيدة يحسن الوقوف عليها، كلام الشنقيطي في الآية:
قال الشيخ محمد الأمين - رحمه الله تعالى -:
"قوله تعالى: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ [سورة الأنعام:1]، في قوله تعالى يَعْدِلُونَ وجهان للعلماء:
أحدهما: أنه من العدول عن الشيء بمعنى الانحراف، والميل عنه، وعلى هذا فقوله: بِرَبِّهِمْ متعلق بقوله: كَفَرُواْ، وعليه فالمعنى: إن الذين كفروا بربهم يميلون، وينحرفون عن طريق الحق إلى الكفر، والضلال، وقيل على هذا الوجه: إن (الباء) بمعنى (عن) أي: يعدلون عن ربهم فلا يتوجهون إليه بطاعة، ولا إيمان.
وثانيهما: أن الباء متعلقة بيعدلون، ومعنى يعدلون يجعلون له نظيراً في العبادة، من قول العرب: عدلت فلاناً بفلان إذا جعلته له نظيراً وعديلاً، ومنه قول جرير:
أثعلبة الفوارس أم رياحاً عدلتَ بهم طهية والخشابا
يعني: أجعلت طهية، والخشاب نظراء وأمثالاً لبني ثعلبة، وبني رياح؟
وهذا الوجه الأخير يدل له القرآن كقوله تعالى عن الكفار الذين عدلوا به غيره: تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ۝ إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة الشعراءْ:97-98] وقوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ [سورة البقرة:165].
وأشار تعالى في آيات كثيرة إلى أن الكفار ساووا بين المخلوق والخالق - قبحهم الله تعالى - كقوله: أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [سورة الرعد:16] وقوله: أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [سورة النحل:17] وقوله: ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ [سورة الروم:28] إلى غير ذلك من الآيات.
وعِدْل الشيء في اللغة: مثله ونظيره، قال بعض علماء العربية: إذا كان من جنسه فهو عِدل - بكسر العين -، وإذا كان من غير جنسه فهو عَدل - بفتح العين -، ومن الأول قول مهلهل:
على أن ليس عِدلاً من كليب غداة بلابل الأمر الكبير
يعني أن القتلى الذين قتلهم من بكر بن وائل بأخيه كليب الذي قتله جسَّاس بن مرة البكري لا يكافئونه، ولا يعادلونه في الشرف.
ومن الثاني قوله تعالى: أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا [سورة المائدة:95] لأن المراد نظير الإطعام من الصيام وليس من جنسه، وقوله: وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ [سورة الأنعام:70] وقوله: وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ [سورة البقرة:123] والعَدل الفداء؛ لأنه كأنه قيمة معادلة للمفدى تؤخذ بدله.
قوله تعالى: وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ الآية [سورة الأنعام:3] في هذه الآية الكريمة ثلاثة أوجه للعلماء من التفسير، وكل واحد منها له مصداق في كتاب الله تعالى:
الأول: أن المعنى وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ أي: وهو الإله المعبود في السماوات وفي الأرض؛ لأنه - جل وعلا - هو المعبود وحده بحق في الأرض، والسماء، وعلى هذا فجملة (يعلم) حال أو خبر، وهذا المعنى يبينه، ويشهد له قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ [سورة الزخرف:84] أي: وهو المعبود في السماء، والأرض بحق؛ ولا عبرة بعبادة الكافرين غيره؛ لأنه وبال عليهم يخلدون بها في النار الخلود الأبدي، ومعبوداتهم ليست شركاء لله عن ذلك علواً كبيراً إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ [سورة النجم:23] وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ شُرَكَاء إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ [سورة يونس:66] وهذا القول في الآية اظهر الأقوال، واختاره القرطبي.
الوجه الثاني: أن قوله: فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يتعلق بقوله: يَعْلَمُ سِرَّكُمْ [سورة الأنعام:3] أي وهو الله يعلم سركم في السماوات، وفي الأرض، ويبيّن هذا القول، ويشهد له قوله تعالى: قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [سورة الفرقان:6] قال النحاس: وهذا القول من أحسن ما قيل في الآية، نقله عنه القرطبي.
الوجه الثالث: وهو اختيار ابن جرير، أن الوقف تام على قوله: فِي السَّمَاوَاتِ وقوله: وَفِي الأَرْضِ يتعلق بما بعده، أي: يعلم سركم وجهركم في الأرض، ومعنى هذا القول أنه - جل وعلا - مستوٍ على عرشه، فوق جميع خلقه، مع أنه يعلم سرَّ أهل الأرض، وجهرهم؛ لا يخفى عليه شيء من ذلك.
ويبين هذا القول، ويشهد له قوله تعالى: أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ۝ أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا [سورة الملك:16-17] وقوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [سورة طه:5] مع قوله: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ [سورة الحديد:4] وقوله: فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ [سورة الأعراف:7] وسيأتي - إن شاء الله - تحقيق هذا المقام بإيضاح في سورة الأعراف.
واعلم أن ما يزعمه الجهمية - من أن الله تعالى في كل مكان مستدلين بهذه الآية على أنه في الأرض - ضلالٌ مبين، وجهل بالله تعالى؛ لأن جميع الأمكنة الموجودة أحقر وأصغر من أن يحل في شيء منها رب السماوات والأرض الذي هو أعظم من كل شيء، وأعلى من كل شيء، محيط بكل شيء، ولا يحيط به شيء، فالسماوات والأرض في يده - جل وعلا - أصغر من حبة خردل في يد أحدنا، وله المثل الأعلى، فلو كانت حبة خردل في يد رجل فهل يمكن أن يقال: إنه حالٌّ فيها، أو في كل جزء من أجزائها؟ حاشا وكلا، هي أصغر وأحقر من ذلك.
فإذا علمت ذلك فاعلم أن رب السماوات والأرض أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، محيط بكل شيء، ولا يحيط به شيء، ولا يكون فوقه شيء لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ [سورة سبأ:3].
علواً كبيراً، لا نحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [سورة طه:110] "[1].
  1. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (ج 1 / ص 469 - 471) لمحمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (المتوفى عام 1393هـ  ط: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت - لبنان - 1415هـ- 1995م.

مرات الإستماع: 0

"وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ [الأنعام: 3] يتعلق في السماوات بمعنى اسم الله، المعنى كقوله: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ [الزخرف: 84] كما يقال: أمير المؤمنين الخليفة في المشرق، والمغرب."

وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ [الأنعام: 3] يعني: المألوه المعبود في السماوات، وفي الأرض، يقول: يتعلق في السماوات بمعنى اسم الله؛ بمعنى اسم الله، فالمعنى كقوله: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ [الزخرف: 84] يعني كأنه قيل: وهو المعبود فيهما، يعني معنى اسم الله هو المعروف بالإلهية، أو المتوحد بالإلهية فيهما، أو هو الذي يقال له: الله في السماوات، والأرض، أو في السماوات، على أحد المحامل، لا يشرك به في هذا الاسم.

والزجاج فسر هذا بأنه متعلق بما تضمنه اسمه - تبارك، وتعالى - من المعاني يعني: كأنه قال: وهو الخالق الرازق المحيي المميت، ها؟ المحيط في السماوات، وفي الأرض، يتعلق بمعنى اسم الله، الذي تضمنه هذا الاسم، هذا الاسم كما هو معلوم يتضمن جميع معاني الأسماء الحسنى، كل الأسماء الحسنى ترجع إلى هذا الاسم الكريم، الله لفظًا، ومعنى، لفظًا: أنها تعطف عليه، ولا يعطف على شيءٍ منها في الذكر، فتقول: هو الله الخالق البارئ... إلى آخره، لا تقول: الخالق البارئ الله لفظًا، وترجع إليه معنى؛ بمعنى: أن جميع معاني الأسماء الحسنى مضمنة في هذا الاسم الكريم؛ لأنها من معاني الإلهية؛ فهو أوسع الأسماء، ولهذا ذهب كثير من أهل العلم إلى أنه الاسم الأعظم، ومن وجوه الاستدلال على ذلك من جهة النظر أن جميع الأسماء الحسنى ترجع إليه لفظًا، ومعنى، وهذا القول الذي ذكره هنا، وهو أصلاً قول الزجاج، استحسنه ابن عطية[1].

"وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ [الأنعام: 3] قال: يتعلق في السماوات بمعنى اسم الله، المعنى كقوله: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ [الزخرف: 84] كما يقال: أمير المؤمنين الخليفة في المشرق، والمغرب؛ وابن كثير - رحمه الله - يقول: "هو المدعو الله في السماوات، وفي الأرض"[2] يعني: يعبده، ويوحده، ويقر له بالإلهية من فيهما، ويسمونه الله، إلا من كفر، كقوله: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ [الزخرف: 84] يعني: هو إله من في السماء، وإله من في الأرض وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ [الأنعام: 3] يعني: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ [الأنعام: 3].

وبعضهم يقول: وهو الله يعلم سركم، وجهركم في السماوات، وهذا اختاره النحاس[3].

وقال ابن جرير: "وهو الله في السماوات، ويعلم سركم، وجهركم في الأرض"[4] وهذا ضعفه الحافظ ابن القيم - رحمه الله -[5].

وكأن بعضهم يستشكل وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ [الأنعام: 3] فيجعل الوقف على قوله: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ [الأنعام: 3] باعتبار أن الله فوق السماوات على العرش، وليس في الأرض، قالوا: فيكون ذلك استئنافًا وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ [الأنعام: 3] يعني: وهو في علوه يعلم ما أنتم عليه، ولا ضرورة لهذا، لأنك إذا قلت: بأنه الله في السماوات، وفي الأرض، يعني المألوه يألهه أهل السماوات، وأهل الأرض، فهذا لا إشكال فيه، وهو الله، أي المألوه يألهه أهل السماوات، وأهل الأرض.

وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ [الأنعام: 3] فيكون الوقف على قوله: وَفِي الأَرْضِ [الأنعام: 3] يكون المعنى قد تم، ثم قال: يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ [الأنعام: 3] فلا يكون قوله: يَعْلَمُ سِرَّكُمْ [الأنعام: 3] متعلقًا بقوله: وَفِي الأَرْضِ [الأنعام: 3] وعلى الذي قبله: وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ [الأنعام: 3] يعني: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ [الأنعام: 3] وتقف وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ [الأنعام: 3] وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ [الأنعام: 3] فالبعض يستشكل، وفي الأرض مع أنه في العلو، ولكن لا إشكال بهذا وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ [الأنعام: 3] يعني: المألوه في السماوات، وفي الأرض يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ [الأنعام: 3].

يقول: كما يقال: أمير المؤمنين الخليفة في المشرق، والمغرب يعني: أنه الآمر الناهي، الذي يولي، ويعزل، ونحو ذلك، مثل ما قال على كلام الزجاج[6] يعني: أن الله وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ [الأنعام: 3] يرجع إلى معنى اسم الله، يعني، وهو الخالق الرازق المحيي المميت المدبر في السماوات، وفي الأرض، لكن مثل هذا لا يكون بمعنى المألوه، وهذا الاسم الكريم يدل على الإلهية، فتفسيره بالمألوه كأنه أقرب - والله تعالى أعلم -.هنا في قوله: وقيل؛ المعنى: أنه في السماوات، والأرض بعلمه، كقوله: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد: 4] هذا فيه إشكال، المعنى: أنه في السماوات، والأرض، هذا كأنه بناءً على نفي صفة العلو لله - تبارك، وتعالى - يعني: في السماوات بعلمه، هم لا يثبتون أن الله فوق العرش، فوق العالم، فوق سماواته، فيقولون: بعلمه، وهذا ليس المراد، فيكون ذلك من قبيل التأويل، لكنه هو ذكره على سبيل التضعيف، فهذا لا يضاف لابن جزي، لكن كان ينبغي أن لا يذكر هذا القول، فأقوال أهل البدع لا تذكر.

قال: ويحتمل أن يكون المجرور في موضع الخبر: فيتعلق باسم فاعل محذوف، والمعنى على هذا قريب من الأوّل، وقيل: المعنى أنه في السماوات، والأرض بعلمه كقوله: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ [الحديد: 4] والأول أرجح، وأفصح؛ لأنّ اسم الله جامع للصفات كلها من العلم، والقدرة، والحكمة، وغير ذلك، فقد جمعها مع الإيجاز. [في جميع النسخ: فقصد جمعها مع الإيجاز]."

يصح هذا، ولا إشكال فيه.

"ويترجح الثاني بأن سياق الكلام في اطلاع الله تعالى، وعلمه، لقوله بعدها: يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ."

هذا مشكل، هذا الذي يقول بأنه بعلمه.

"وقيل: يتعلق بمحذوف تقديره: المعبود في السماوات، وفي الأرض، وهذا المحذوف صفة لله، واسم الله على هذا القول، وعلى الأول هو خبر المبتدأ، وأما إذا كان المجرور الخبر فاسم الله بدل من الضمير. 

  1.  انظر: تفسير ابن عطية (2/267).
  2.  تفسير ابن كثير (7/243).
  3.  انظر: تفسير ابن كثير (3/240) وتفسير القرطبي (6/390).
  4.  تفسير الطبري (9/155).
  5.  انظر: بدائع الفوائد (1/116).
  6.  تفسير ابن عطية (2/267).