الإثنين 29 / شوّال / 1446 - 28 / أبريل 2025
وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا۟ عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا۟ وَأُوذُوا۟ حَتَّىٰٓ أَتَىٰهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِ ۚ وَلَقَدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِى۟ ٱلْمُرْسَلِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وقوله: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا [سورة الأنعام:34] هذه تسلية للنبي ﷺ، وتعزية له فيمن كذبه من قومه، وأمْر له بالصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، ووعد له بالنصر كما نصروا، وبالظفر حتى كانت لهم العاقبة بعدما نالهم من التكذيب من قومهم، والأذى البليغ، ثم جاءهم النصر في الدنيا كما لهم النصر في الآخرة، ولهذا قال: وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ [سورة الأنعام:34] أي: التي كتبها بالنصر في الدنيا والآخرة لعباده المؤمنين كما قال: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ ۝ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ ۝ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [سورة الصافات:171-173] وقال تعالى: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [سورة المجادلة:21].
وقوله: وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ [سورة الأنعام:34] أي: من خبرهم، كيف نصروا، وأُيِّدوا على من كذبهم من قومهم، فلك فيهم أسوة، وبهم قدوة".

مرات الإستماع: 0

"قوله تعالى: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ [الأنعام: 34] الآية، تسلية للنبي ﷺ وحضّ له على الصبر، ووعد له بالنصر، قوله تعالى: وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ [الأنعام: 34] أي: لمواعيده لرسله كقوله: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ ۝ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ [الصافات: 171 - 172] وفي هذا تقوية للوعد."

كقوله: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [المجادلة: 21] فهنا يقول: وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ أي: لمواعيده لرسله، وحمله آخرون كابن جرير - رحمه الله - على ما أنزله، وأوحاه إلى رسله[1] يعني لا مبدل، لا أحد يبدل هذا المنزل، أو ما أنزله على رسوله ﷺ يعني محمدًا ﷺ من الوعد بالنصر على الأعداء. ويحتمل أن يكون ذلك وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ يشمل الكلمات القدرية الكونية، والكلمات الشرعية، فقوله تعالى: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [المجادلة: 21] هذا كونًا، وقدرًا، ويمكن أن يكون أيضًا ذلك قد كتب في اللوح المحفوظ، وأيضًا فيما أنزل على الأنبياء - عليهم الصلاة، والسلام - فهنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ الكونية، وكذلك الشرعية، يعني ما أنزله، وأوحاه إلى رسله - عليهم الصلاة، والسلام - لا مبدل لها، لكن جرى مثل هذا كثيرًا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ يعني فيما كان من هذا القبيل، كثيرًا باعتبار الكلمات الكونية وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ لا مبدل لكلماته، وهكذا حينما تقول: "أعوذ بكلمات الله التامات"[2] فهذا الأقرب أنه يشمل الكلمات الكونية، والكلمات الشرعية، وهو في الكلمات الكونية أولى، وإن كان ذلك لا ينفي عن الكلمات الشرعية؛ لأن يصح الاستعاذة بها، باعتبار أن كلام الله صفة من صفاته، فإذا قلت: أعوذ بكلمات الله التامات، فيصدق على هذا، يصح بهذا الاعتبار، لكن الأولى أن يحمل على الكلمات الكونية؛ لأنه لا يجاوزها بر، ولا فاجر، وأنت تريد الاستعاذة هنا بالمنع من المخاوف، ونحو ذلك، فهذا أليق بالكلمات الكونية - والله أعلم -.

"قوله تعالى: وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ [الأنعام: 34] أي: من أخبارهم، ويعني بذلك صبرهم، ثم نصرهم، وهذا أيضا تقوية للوعد، والحض على الصبر، وفاعل جاءك محذوف تقديره نبأ، أو خبر، [في أربع نسخ: أو جلاء، وفي نسخة، أو خبر]."

محذوف تقديره: نبأ، أو خبر وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ أي: من أخبارهم، وفاعل جاءك محذوف تقديره: تقديره: نبأ، أو خبر، [في أربع نسخ: أو جلاء] لا يمكن، أما المجرور فهو قوله: من نبأ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ نبأ المجرور.

وَكُلاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ [هود: 120] كقوله: وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ.

"وقيل هو المجرور."

نبأ.

  1. تفسير الطبري (9/224).
  2. أخرجه مسلم، كتاب الذكر، والدعاء، والتوبة، والاستغفار، باب في التعوذ من سوء القضاء، ودرك الشقاء، وغيره، برقم (2708).