"إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ [الأنعام: 36] المعنى: إنما يستجيب لك الذين يسمعون، فيفهمون، ويعقلون وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ [الأنعام: 36] فيها ثلاث تأويلات:
أحدهما: أن الموتى عبارة عن الكفار لموت قلوبهم، والبعث يراد به الحشر يوم القيامة، فالمعنى أن الكفار في الدنيا كالموتى في قلة سمعهم، وعدم فهمهم، فيبعثهم الله في الآخرة، وحينئذ يسمعون.
والآخر: أن الموتى عبارة عن الكفار، والبعث عبارة عن هدايتهم للفهم، والسماع.
والثالث: أن الموتى على حقيقته، والبعث على حقيقته، فهو إخبار عن بعث الموتى يوم القيامة."
قوله - تبارك، وتعالى -: إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ يعني: سماع إجابة، وقوله: وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ذكر هذه الأقوال الثلاثة، والاحتمالات الثلاثة في الموتى، والبعث:
الأول: "أن الموت عبارة عن الكفار بموت قلوبهم" وهذا نقل عليه الشنقيطي - رحمه الله - إجماع من يعتد به وهذا يرد في القرآن كثيرًا، التعبير بمثل هذا أن الكافر بمثابة الميت، والمؤمن بمثابة الحي إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ.
هنا قال: "والبعث يراد به: الحشر يوم القيامة" يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ هذا المعنى الذي ذكره اختاره ابن كثير - رحمه الله - فيسمعون حينئذ حينما يعاينون الحقائق.
والقول الثاني: "أن الموت عبارة عن الكفار، والبعث عبارة عن هدايتهم الفهم، والسماع" فهذا مثل الأول، إلا أن البعث هنا محمول على الهداية، وهذا أيضًا تحتمله الآية، وإن كان المعهود في القرآن في التعبير بالبعث عن البعث في الآخرة، البعث في القيامة، لكن لما قوبل ذلك بالموتى، وأن المراد بهم الكفار، كان ذلك قرينة عند هذا القائل، أو على هذا الاحتمال بأن البعث يقصد به ما يقابل ذلك الموت الذي هو الكفر، فيكون البعث بالهداية بهذا الاعتبار.
الثالث: "أن الموت على حقيقته، والبعث على حقيقته، فهو إخبار عن بعث الموتى يوم القيامة" وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ يعني في الآخرة يعيد إليهم الأرواح يدعها إلى الأجسام، بعث الحقيقي، وهذا مثال على تردد الكلام بين الحقيقة، والمجاز عند القائلين بالمجاز، والقاعدة في ذلك أن اللفظ إذا دار بين الحقيقة، والمجاز، فالأصل الحقيقة إلا لدليل، هذا عند القائلين بالمجاز، ولسنا بصدد الكلام على المجاز، لكن عند القائلين به فهذه قاعدة من القواعد الترجيحية، إذا دار الكلام بين الحقيقة، والمجاز، يعني في الاحتمال؛ فالأصل الحقيقة هذا على قول جماهير المفسرين، والأصوليين، وأهل اللغة.
أصل الحقيقة لأسباب معلومة منها أنها هي المتبادر، ومنها أنها لا تحتاج إلى نقل، ومنها أنها لا تحتاج إلى قرينة، ومنها أنها هي الأغلب، والأكثر، هذه كلها مرجحات للحقيقة، ومن قال بخلاف ذلك فقوله شاذ، ومن قيد ذلك بالمجاز المشهور أنه يقدم على الحقيقة، فهذا على كل حال ليس كما قال - والله تعالى أعلم - لكن على القول بأن المجاز لا، وقوع له في القرآن، أو في اللغة أصلاً فيكون هذا المعنى المتبادر بقرينة من السياق، أو السباق، أو اللحاق، أن ذلك يجعله متبادرًا؛ فالمتبادر هو الحقيقة أصلاً، ولا مجاز، فهذه القرائن التي يسمونها الدليل على صرفه من الحقيقة إلى المجاز، هي التي أوجدت هذا التبادر كما يقولون، جعلته معنًى متبادرًا، وعند شيخ الإسلام - رحمه الله - ومن وافقه، أن هذا التبادر هو الحقيقة، فلا مجاز أصلاً، المعنى الذي يسبق إلى الأذهان، هذا هو المعنى المراد، وهو المعنى الحقيقي، فهنا على القول بالمجاز، يكون القول الأول، والثاني من قبيل المجاز، حمل على غير الموت، والبعث الحقيقي، فالموت، ومفارقة الروح الجسد مفارقةً تنتفي معها الحياة، والبعث: هو إعادة الروح إلى الأجساد، وذلك يوم القيامة، فهذا هو المعنى الحقيقي، لكن هنا لم يحمل على المعنى الحقيقي عند الجماهير، والسبب، أو ما نقل عليه الشنقيطي - رحمه الله - الإجماع، لكنه ليس بإجماع في الواقع، لكنه قيده إجماع ما يعتد به.
فالمقصود أن ذلك يعني الحمل على المجاز عند القائلين بالمجاز، أنه من قبيل المجاز القول الأول، والثاني، أن ذلك لقرينة؛ لأنه قال: إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ إذًا الموتى هم الذين لا يسمعون، ومن الذين لا يسمعون سماع انتفاع؟ هم الكفار، يعني في هذا الباب، فهذه قرينة عندهم، هذه قرينة صارفة من المعنى الحقيقي عند أهل المجاز، إلى المعنى الآخر المجازي - والله أعلم -.
على كل حال القول الأول واضح لهذه المقابلة سواءً سُمي بالحقيقة، أو سمي بالمجاز.
"في النسخ "لموت قلوبهم".
الآن يقرأ من الطبعة الجديدة المحققة، التي صدرت الأيام الماضية، وهي مقابلة مع النسخ التي كانت تذكر لكم في السابق، كانت من المحقق - جزاه الله خيرا - منذ أن بدأنا في الكتاب، كان يرسل بفروق النسخ فما فاتكم شيء بالنسبة لما سبق، يعني التصويبات، والمقابلات، إذا قال الذي يقرأ في نسخة كذا، أو في جميع النسخ، هي النسخ التي كان يقابل عليها المحقق - جزاه الله خيرا - وهذه النسخة لا تقاس بالنسخة السابقة، التي كنا نقرأ بها، لا في ضبط النص، ولا في علامات الترقيم، ولا في العناية أيضًا بالإخراج، فهي أفضل بكثير من هذه النسخ، تبقى بعض المواضع بحسب النسخ التي رجع إليها، هو حصَّل خمس عشرة نسخة من الكتاب، مخطوطات، واعتمد منها، اعتمد بعض هذه النسخ، قابل على نحو أربع نسخ، وخامسة يرجع إليها عند الحاجة، باعتبار أنه ترجح لديه أن هذه النسخ هي الأفضل، والإشكال أن النسخ الخطية فيها اختلافات، وسقط، وأخطاء، هو الذي أوقع بما شاهدناه من قبل في الطبعات السابقة، من سقط، وأخطاء، وإشكالات، فهذا موجود في النسخ الخطية، فعلى كل حال هو يقرأ الآن في النسخة الجديدة، فصححوا بناءً عليها، إلا في بعض المواضع التي تحتاج إلى تأمل، ولذلك لا زلنا نقارن بالطبعة الأخرى، طبعة البيان، والطبعة الأولى أيضًا من طبعة الضياء، وأحيانًا قد يترجح خلاف ما في النسخ التي قابل عليها، كما مر معنا في بعض المواضع أحيانًا، وعلى كل حال هنا يقول: أن الموتى عبارة عن الكفار لموت قلوبهم.