السبت 05 / ذو القعدة / 1446 - 03 / مايو 2025
قُل لَّوْ أَنَّ عِندِى مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِۦ لَقُضِىَ ٱلْأَمْرُ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِٱلظَّٰلِمِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وقوله: قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ [سورة الأنعام:58] أي: لو كان مرجع ذلك إليّ لأوقعت لكم ما تستحقونه من ذلك".

قوله تعالى: وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ [سورة الأنعام:57] أي: خير الحاكمين، وهذه الخاتمة قرينة على تفسير القصِّ بالاتِّباع، وإن كان هذا ليس بلازم لكن يمكن أن يقول هذا من قال: إن القص هنا من الإتباع أي: تبع أثره بمعنى يتبع الحق فيما يحكم بينكم فيه.
كما أنه يمكن أن تكون خاتمة هذه الآية قرينة على القراءة الأخرى (يقضِ) التي بمعنى يحكم فيقال: إن المعنى: إنه يحكم الحق، وهو خير الحاكمين.
وعلى كل حال فالقاعدة أنه إذا كان للآية أكثر من قراءة، وكان لكل قراءة معنى يخصها؛ فإن تعدد القراءات بمنزلة تعدد الآيات.
"وقوله: قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ [سورة الأنعام:58] أي: لو كان مرجع ذلك إلي لأوقعت لكم ما تستحقونه من ذلك وَاللّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ [سورة الأنعام:58].
فإن قيل: فما الجمع بين هذه الآية وبين ما ثبت في الصحيحين عن عائشة - ا - أنها قالت لرسول الله ﷺ: يا رسول الله! هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة؛ إذا عرضت نفس على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد ظللتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، قال: فناداني ملك الجبال، وسلَّم عليَّ، ثم قال: يا محمد! إن الله قد سمع قول قومك لك، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فيما شئت، إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين!! فقال رسول الله ﷺ: ((بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً وهذا لفظ مسلم[1]، فقد عرض عليه عذابهم، واستئصالهم؛ فاستأنا بهم، وسأل لهم التأخير؛ لعل الله أن يخرج من أصلابهم من لا يشرك به شيئاً، فما الجمع بين هذا وبين قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ [سورة الأنعام:58]؟
فالجواب - والله أعلم - أن هذه الآية دلت على أنه لو كان إليه وقوع العذاب الذي يطلبونه حال طلبهم له لأوقعه بهم، وأما الحديث فليس فيه أنهم سألوه وقوع العذاب بهم؛ بل عرض عليه ملك الجبال أنه إن شاء أطبق عليهم الأخشبين وهما جبلا مكة اللذان يكتنفانها جنوباً وشمالاً، فلهذا استأنا بهم، وسأل الرفق لهم".

الجواب واضح وهو أن في هذه الآية طلبوا العذاب، فقال: لو أنه عندي لأتيتكم به، وأما في الحديث فإنه لقي منهم هذا الإعراض، والتكذيب، فأصابه الهم بسبب ذلك، فجاءه الملك فعرض عليه أن يعجل العقوبة لهم، أو يفعل بهم ما شاء، فاستأنا بهم، أي أن الحديث كان لما لم يؤمنوا؛ وليس عند طلبهم العذاب، والله أعلم.
  1. أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق - باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه (3059) (ج 3 / ص 1180) ومسلم في كتاب الجهاد والسير - باب ما لقي النبي ﷺ من أذى المشركين، والمنافقين (1795) (ج 3 / ص 1420).

مرات الإستماع: 0

"قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ [الأنعام: 58] أي لو كان عندي العذاب على التأويل الأوّل، أو الآيات المقترحة على التأويل الآخر، لوقع الانفصال، وزال النزاع؛ لنزول العذاب، أو لظهور الآيات."

يحتمل هذا، وهذا قُلْ لَوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ [الأنعام: 58] العذاب على التأويل الأول، الذي قلنا: إنه هو الأرجح؛ لوقع الانفصال، وزال النزاع، يعني: لنزول العذاب، أو لو كان باعتبار الآيات التي تطلبونها، فآتي بها.