الأحد 06 / ذو القعدة / 1446 - 04 / مايو 2025
وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَآ إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِى ظُلُمَٰتِ ٱلْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِى كِتَٰبٍ مُّبِينٍ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ [سورة الأنعام:59]".

يقول تعالى: وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ [سورة الأنعام:59] المِفتح - بكسر الميم - يمكن أن تجمع على مفاتيح، ومفاتح، وأما المَفتح - بفتح الميم - فلا تجمع إلا على مفاتِح، ولذلك يحتمل أن تكون المفاتِح هنا جمع مَفْتَح، وعلى هذا فهي الخزانة فيكون قوله: وَعِندَهُ مَفَاتِحُ أي: خزائن الغيب، ويحتمل أن تكون جمع مِفْتَح وعلى هذا تكون مفاتح جمع مفتاح، وهذا كله معروف في كلام العرب، وبين المعنيين ملازمة لا تخفى؛ فإن مخازن الشيء قد لا يتوصل إليها إلا بفتحها بمفاتيحها، فالله عنده مفاتح الغيب - بمعنى خزائن الغيب -، وعنده مفاتيح الغيب، والله تعالى أعلم.
"روى البخاري عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله ﷺ قال: مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [سورة لقمان:34][1].
وقوله: وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [سورة الأنعام:59] أي محيط علمه الكريم بجميع الموجودات بريِّيها، وبحريِّيها، لا يخفى عليه من ذلك شيء، ولا مثقال ذرة في الأرض، ولا في السماء.
وقوله: وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا [سورة الأنعام:59] أي: ويعلم الحركات حتى من الجمادات فما ظنُّك بالحيوانات - ولاسيما المكلفون منهم من جنهم، وإنسهم - كما قال تعالى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [سورة غافر:19]".
  1. أخرجه البخاري في كتاب التفسير - باب تفسير سورة الأنعام (4351) (ج 4 / ص 1693).

مرات الإستماع: 0

"قوله تعالى: مَفاتِحُ الْغَيْبِ [الأنعام: 59] استعارة، وعبارة عن التوصل إلى الغيوب كما يتوصل بالمفاتح إلى ما في الخزائن، وهو جمع مفتح بكسر الميم بمعنى مفتاح، ويحتمل أن يكون جمع مَفتح بالفتح، وهو المخزون."

يقال لهذا، وهذا، في النسخ المطبوعة بالفتح، وهو المخزن، المِفتح المفتاح، عنده مفاتح بكسر الميم، بمعنى مفتاح؛ ويحتمل أن يكون جمع مفتح بالفتح، وهو المخزن، يعني إما المفتاح، أو المخزن الذي يفتح. 

المَفتح المفتاح، والمفتَح المكان، يكون إما المِفتاح، عنده المفاتح، ويلزم من هذا أن عنده أيضًا موضع الخزائن، أو عنده الخزائن، وهذا يتضمن المخزون، لكن بالفتح مفتح؛ فهو المخزن المكان - والله أعلم -.

فإن كان ما وقع تصحيف في العبارة، وتحريف مخزون، فيكون من باب يعني فسره بما تضمنه، مِفتح هذه مفتاح، أو مَفتح جمع مفتح مفاتح جمع مفتح، يعني الخزائن، فإذا كان عنده مفاتيح الخزائن، فالخزائن ملكه.

"قوله تعالى: وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ [الأنعام: 59] تنبيهًا بها على غيرها؛ لأنها أشد تغيبًا من كل شيء، تنبيهًا على غيرها يعني من باب مفهوم الموافقة الأولوي، إذا كان لا تخفى عليه الحبة في ظلمات الأرض، فما هو أكبر منها من باب أولى مثل الإنسان.

"قوله تعالى: فِي كِتابٍ مُبِينٍ [الأنعام: 59] اللوح المحفوظ، وقيل: علم الله."

فِي كِتابٍ مُبِينٍ جاء في حديث ابن عمر - ا - مرفوعًا إلى النبي ﷺ: مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله؛ لا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله[1] وهو مخرج في الصحيح، فهذه توضح ما في الآية: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ [الأنعام: 59] لقوله ﷺ: (فاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله.

فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام: 59] قيل: اللوح المحفوظ، وقيل: علم الله، والأقرب - والله أعلم - في كتاب، الكتاب يدل على مكتوب، والله لما خلق القلم، قال له: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء، يعني ما هو كائن إلى قيام الساعة[2]

  1. أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله - تعالى -: عَالِمُ الغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا [الجن: 26] برقم (7379).
  2. أخرجه أبو داود، كتاب السنة، باب في القدر، برقم (4700) والترمذي، أبواب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ باب، ومن سورة ن، برقم (3319) وأحمد في المسند، برقم (22707) وقال محققوه: "حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف لضعف عبد الله بن لهيعة" وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (2017).