الأحد 06 / ذو القعدة / 1446 - 04 / مايو 2025
وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِۦ ۖ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وقوله: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [سورة الأنعام:61] أي: وهو الذي قهر كل شيء، وخضع لجلاله، وعظمته، وكبريائه؛ كل شيء.
وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً أي: من الملائكة يحفظون بدن الإنسان".

سبق في قوله تعالى: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [سورة الأنعام:18] أن المراد بالفوقية فوقية الذات، وفوقيه القدر، والمنزلة، وفوقية القهر.
"كقوله: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ [سورة الرعد:11] وحفظة يحفظون عمله، ويحصونه عليه كقوله: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ الآية [سورة الانفطار:10] وكقوله: إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ۝ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [سورة ق:17-18]".

يعني أنه لم يحدد هنا من ماذا يحفظونهم الحفظة حيث قال: وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً وأحسن ما يفسر به القرآن القرآن، وقد جاء في القرآن أن هؤلاء الحفظة يحفظون جسده حيث قال تعالى: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ [سورة الرعد:11]، وجاء أيضاً في مواضع أخرى أنهم يحفظون عمله قال تعالى: مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [سورة ق:18] وقال تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ [سورة الانفطار:10].
"وقوله: حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ [سورة الأنعام:61] أي: احتضر، وحان أجله تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا [سورة الأنعام:61] أي: ملائكة موكلون بذلك.
قال ابن عباس - ا - وغير واحد: "لملك الموت أعوان من الملائكة"".

هذا جواب على سؤال مقدر وهو أن الله قال: قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ [سورة السجدة:11]  فهو واحد وهنا قال الله : تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا [سورة الأنعام:61] بالجمع فكيف الجمع بين الآيتين؟
يكون الجواب أن ملك الموت له أعوان من الملائكة، فأضيف ذلك الجمع إليهم بهذا الاعتبار، ولما قال تعالى: قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ [سورة السجدة:11] فهذا باعتبار أنه الموكل بهذا، وهو كبيرهم، ورئيسهم.
"قال ابن عباس - ا - وغير واحد: "لملك الموت أعوان من الملائكة يخرجون الروح من الجسد، فيقبضها ملك الموت إذا انتهت إلى الحلقوم".
وقوله: وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ [سورة الأنعام:61] أي: في حفظ روح المتوفى، بل يحفظونها، وينزلونها حيث شاء الله إن كان من الأبرار ففي عليين، وإن كان من الفجار ففي سجين - عياذاً بالله من ذلك -".

مرات الإستماع: 0

"قوله: حَفَظَةً [الأنعام: 61] جمع حافظ، وهم الملائكة الكاتبون."

حَفَظَةً يعني: يحفظونكم، ويحفظون أيضًا أعمالكم، ويشمل هذا، وهذا، كما قال الله : لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [الرعد: 11] وكما قال الله : وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ [الانفطار: 10] فيكون ذلك ينتظم المعنيين وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً [الأنعام: 61] يحفظونكم، لهم معقبات، وكذلك يحفظون عليكم أعمالكم، فهذا الذي دل عليه القرآن، ويفسر به هذه اللفظة المجملة وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً [الأنعام: 61] وهذا الذي ذهب إليه ابن كثير - رحمه الله -[1] جمعًا بينهما، وهنا فسره بالملائكة الكاتبين، وهو أحد المعنيين المشار إليهما.

"قوله تعالى: تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا [الأنعام: 61] أي: الملائكة الذين مع ملك الموت."

يعني ملك الموت - كما هو معلوم - له أعوان؛ ولذلك يعبر بالجمع أحيانًا. تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وبعضهم يقول: إن هؤلاء الأعوان ينتزعون الروح من الجسد حتى إذا بلغت الحلقوم، وما بقي إلا استخراجها استخرجها ملك الموت، والعلم عند الله هذه أمور غيبية، والمقصود: الجمع بين قوله تعالى: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ [السجدة: 11] مع قوله: تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا فملك الموت له أعوان، فإذا عبر بالجمع، يكون بهذا الاعتبار - والله أعلم -.

  1. تفسير ابن كثير (3/267).