الإثنين 07 / ذو القعدة / 1446 - 05 / مايو 2025
وَكَذَّبَ بِهِۦ قَوْمُكَ وَهُوَ ٱلْحَقُّ ۚ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ ۝ لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ۝ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ۝ وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَكِن ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [سورة الأنعام:66-69].
يقول تعالى: وَكَذَّبَ بِهِ أي: بالقرآن الذي جئتهم به، والهدى، والبيان".
يقول: وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ [سورة الأنعام:66] قال الحافظ: "يعني القرآن الذي جئتهم به، والهدى، والبيان" وهذا هو الظاهر، والله تعالى أعلم.
ومن أهل العلم من قال: إن الضمير يعود إلى العذاب، أي: كذب قومك بالعذاب؛ وهذا مبني على أن الله قال في الآية التي قبل هذه: قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [سورة الأنعام:63] ثم قال: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ..َ [سورة الأنعام:65] ثم قال: وَكَذَّبَ بِهِ [سورة الأنعام:66] يعني بالمذكور قبله وهو العذاب، لكن لعل حمله على القرآن أقرب، والله تعالى أعلم.
"قَوْمُكَ يعني قريشاً وَهُوَ الْحَقُّ [سورة الأنعام:66] أي: الذي ليس وراءه حق.
قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ [سورة الأنعام:66] أي: لست عليكم بوكيل، ولست بموكل بكم، كقوله: وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ [سورة الكهف:29] أي: إنما عليَّ البلاغ وعليكم السمع والطاعة، فمن اتبعني سعد في الدنيا والآخرة، ومن خالفني فقد شقي في الدنيا والآخرة".

قوله تعالى: قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ [سورة الأنعام:66] قال بعض أهل العلم: إن هذه من جملة الآيات التي نسخت بآية السيف، وقالوا: إنه أمر بغير ذلك في آخر الأمر في الآية الخامسة من سورة براءة إذ قال: فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ [سورة التوبة:5] وقالوا: إن هذه الآية نسخت مائة وأربعة وعشرين آية، لكن الأقرب أن هذه لم تنسخ والله أعلم.

مرات الإستماع: 0

"وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ [الأنعام: 66] الضمير عائد على القرآن، أو على الوعيد المتقدم، وقومك هم قريش."

وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ عود الضمير على القرآن، هو الذي اختاره جماعة كالواحدي[1] وابن عطية[2] والقرطبي[3] وابن كثير[4] ومن المعاصرين: الطاهر بن عاشور[5] والشيخ عبد الرحمن السعدي[6] وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ يعني: القرآن، أو على الوعيد المتقدم، وهذا اختيار ابن جرير - رحمه الله -[7] والتكذيب بالقرآن متضمن لما ذكر من الوعيد، فذلك أشمل، فهم كذبوا بالقرآن، وما تضمنه القرآن، وأخبر به من الوعيد.

"قوله تعالى: لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ [الأنعام: 66] أي بحفيظ، ومتسلط، وفي ذلك متاركة نسخها القتال."

هنا لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ يعني: بحفيظ متسلط، وفي ذلك متاركة، على هذا المعنى لست عليكم بحفيظ؛ فيقولون: نسختها آية السيف الآية الخامسة في سورة براءة فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ [التوبة: 5] ولكن هذا - والله أعلم - فيه نظر، فالنبي ﷺ يخبرهم أنه ليس بحفيظ عليهم يحفظ أعمالهم؛ وإنما يتولى ذلك الله وحده، ولا يعني ترك القتال، لكن سورة الأنعام مكية، والآيات النازلة فيها جميعًا الأصل أنها نازلة في مكة، فمثل هذه الآيات في المتاركة لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ حتى يعني فيما هو صريح في ذلك، أنه لا يتعرض لهم، فهذه الأقرب أن لا يقال: إنها منسوخة، بآية السيف، وإنما يقال: ذلك بأنه يكون بحسب الحال، ففي أوقات الضعف تكون المتاركة، والإعراض، وفي وقت الإمكان، والقوة، يكون جهادهم، ولا يترك العمل بتلك الآيات، باعتبار أنها منسوخة - والله أعلم -.

  1.  التفسير الوسيط للواحدي (2/285).
  2.  تفسير ابن عطية (2/303).
  3.  تفسير القرطبي (7/11).
  4.  تفسير ابن كثير (3/277).
  5.  التحرير، والتنوير (7/287).
  6.  تفسير السعدي (ص: 260).
  7.  تفسير الطبري (9/311).