الخميس 10 / ذو القعدة / 1446 - 08 / مايو 2025
وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِۦ عَلَيْكُمْ سُلْطَٰنًا ۚ فَأَىُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وقوله: وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ [سورة الأنعام:81] أي: كيف أخاف من هذه الأصنام التي تعبدونها من دون الله وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا [سورة الأنعام:81].
قال ابن عباس - ا - وغير واحد من السلف: أي حجة، وهذا كقوله تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ [سورة الشورى:21]، وقوله تعالى: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ [سورة النجم:23].
وقوله: فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [سورة الأنعام:81] أي: فأي الطائفتين أصوب الذي عبد من بيده الضر والنفع، أو الذي عبد من لا يضر ولا ينفع بلا دليل؟ أيهما أحق بالأمن من عذاب الله يوم القيامة؟"

مرات الإستماع: 0

"وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ [الأنعام: 81] أي كيف أخاف شركاءكم الذين لا يقدرون على شيء ؟ وأنتم لا تخافون ما فيه كل خوف، وهو إشراككم بالله، فأنتم تنكرون عليّ الأمن في موضع الأمن، ولا تنكرون على أنفسكم الأمن في موضع الخوف؟ ثم أوقفهم على ذلك بقوله: فأيّ الفريقين أحق بالأمن؟ يعني فريق المؤمنين، وفريق الكافرين، ثم أجاب عن السؤال بقوله: الَّذِينَ آمَنُوا [الأنعام: 82] الآية، وقيل: إن الَّذِينَ آمَنُوا الآية: استئناف، وليس من كلام إبراهيم."

هذا يحتمل كما ذكرنا في عدد من المناسبات أن يكون من قبيل الموصول لفظًا، المفصول معنى، يعني ظاهر الكلام: كأنه لمتكلم واحد، وهما جملتان منفصلتان:

الأولى لقائل، والثانية لقائل آخر، فيكون قوله: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام: 82] من كلام الله  في الفصل بين الفريقين.

يعني: كأن الله حكم بهذا، ويحتمل أنه من كلام إبراهيم - عليه الصلاة، والسلام - في جملة ما احتج به عليهم، فالقول بأنه استئناف، أنه من كلام الله هذا الذي اختاره ابن جرير[1] وابن كثير[2] والشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله[3].

فهذه المواضع ذكرت لها أمثلة في بعض المناسبات، كقوله تعالى في قصة ملكة سبأ: إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً [النمل: 34] قال: وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ [النمل: 34] فيحتمل أن يكون من جملة قولها: وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ويحتمل أن يكون من كلام الله تصديقًا لقولها.

وكذلك في قوله امرأة العزيز: الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ [يوسف: 51] إلى أن قال: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ [يوسف: 52] فيحتمل أن يكون هذا من جملة كلامها، ويحتمل أنه من كلام يوسف يعني: أنه طلب السؤال قبل خروجه من السجن؛ ليعلم العزيز أن يوسف ما خانه بالغيب، هذا يحتمل، وهذه المواضع منها ما يظهر فيها القول، أو الاحتمال بأن ذلك استئناف، أو أنه من قبيل الموصول لفظًا، المفصول معنى، وفي بعضها يكون الاحتمال ضعيفًا، وعلى كل حال يدخل تحت هذا بعض الصور، والأنواع، لها متعلقات أخرى، قد يتقوى بها هذا، أو هذا.

  1. تفسير الطبري (11/494).
  2. تفسير ابن كثير (3/293).
  3. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (1/486).