الحافظ ابن كثير - رحمه الله - يرى أن الحجة التي آتاها اللهُ إبراهيم على قومه هي قوله: وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ [سورة الأنعام:81] يعني: أنتم ما خفتم من الله الملك الجبار حيث أشركتم به، واجترأتم عليه غاية الجرأة؛ فكيف تريدون مني أن أخاف من أصنام لا تنفع، ولا تضر؟ هذا غير معقول؟! وهذا القول هو الذي مشى عليه كثير من أهل العلم من المفسرين.
ومنهم من قال: إن الحجة في قوله: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا [سورة الأنعام:83] مفرد مضاف إلى معرفة وهي الفاعل حُجَّتُنَا فقالوا: إن الحجة هي ما ذكر الله - تبارك وتعالى - عن قول إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ* فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ... [سورة الأنعام:75-76] الآيات، وفيها أنه قال عن الكوكب، والنجم، والشمس؛ هذا ربي على سبيل التنزل، فاحتج عليهم حتى بيّن لهم بطلان معبوداتهم، فقالوا: هذه المجادلة التي دارت معهم أوصلته إلى أن يحتج عليهم هي المقصودة بهذه الآية: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ [سورة الأنعام:83] وهذا الذي رجحه الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله تعالى -.
والصواب أن الآية تحتمل هذا وهذا، فقول إبراهيم ﷺ: وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ [سورة الأنعام:81] هو من جملة الحجة، وكلامه الذي قبل هذا المتعلق ببيان بطلان معبوداتهم من الأصنام هو أيضاً من جملة احتجاجه عليهم، فهو داخل في الحجة المذكورة في الآية، والله أعلم.
يقول ابن كثير: "وقد صدقه الله، وحكم له بالأمن، والهداية فقال: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ [سورة الأنعام:82]" معناه أن ابن كثير يعدُّ هذا من قول الله في الحكم والفصل بين الفريقين، ولعل هذا هو الأقرب والله أعلم، وهذا اختاره الحافظ ابن القيم، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي، وعامة أهل العلم، حيث قالوا: هذا من قول الله وليس من قول إبراهيم، وذكرنا آنفاً أن أبعد الأقوال قول من قال: إن هذا من قول الكفار.