الأربعاء 30 / ذو القعدة / 1446 - 28 / مايو 2025
ذَٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِى بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِۦ ۚ وَلَوْ أَشْرَكُوا۟ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"ثم قال تعالى: ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ [سورة الأنعام:88] إنما حصل لهم ذلك بتوفيق الله، وهدايته إياهم وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [سورة الأنعام:88]".

النبوة - كما هو معلوم - هي منحة إلهية، لا تُكتسب مهما كان الإنسان عليه من قدرات، وإمكانات، وذكاء، وصلاح، وتقوى، وهذا هو الذي لا يجوز أن يُعتقد سواه خلافاً للفلاسفة الذين يقولون: إن النبوة مكتسبة، فهي منحة إلهية، فعقيدة المسلمين تقوم على أن النبوة يمنحها الله لمن شاء من عباده ممن يعلم أنهم يصلحون لذلك قال تعالى: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ [سورة القصص:68].
قوله تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [سورة الأنعام:88] هذا حكم معلق على شرط وهو لا يقتضي الوقوع، وهذه قاعدة معروفة، أي أن المعلق على شرط لا يقتضي ذلك وقوعه أو جواز حصوله كما في قوله تعالى: قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ [سورة الزخرف:81] أي: ولا يمكن أن يكون للرحمن ولد، وهنا: وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [سورة الأنعام:88] يعني حاشاهم من الشرك، فالمقصود أن هذا التعليق لا يقتضي جواز الحصول، وإنما ذكر لبيان حكمٍ، وهو أن هؤلاء الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - على منزلتهم، وشرفهم، وقربهم من الله - تبارك وتعالى -، واصطفائهم لو وقع منهم الشرك لحبطت عنهم الأعمال الصالحة التي عملوها، فكيف بغيرهم؟ فهو تحذيرٌ من الإشراك.
"وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [سورة الأنعام:88] تشديد لأمر الشرك، وتغليظ لشأنه، وتعظيم لملابسته كقوله تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ الآية [سورة الزمر:65] وهذا شرط، والشرط لا يقتضي جواز الوقوع كقوله: قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ [سورة الزخرف:81] وكقوله: لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ [سورة الأنبياء:17] وكقوله: لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَّاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاء سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [سورة الزمر:4]".