الأحد 27 / ذو القعدة / 1446 - 25 / مايو 2025
وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا ۚ وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْءَاخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِۦ ۖ وَهُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وقوله: وَهَذَا كِتَابٌ يعني القرآن أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى [سورة الأنعام:92] يعني مكة وَمَنْ حَوْلَهَا من أحياء العرب، ومن سائر طوائف بني آدم، ومن عرب، وعجم، كما قال في الآية الأخرى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [سورة الأعراف:158]".

يقول تعالى: وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا [سورة الأنعام:92] أم القرى مكة، ومن حولها العالم بأكمله، وهذا من الأدلة الدالة على عموم بعثة عليه ﷺ، ومن توهم غير هذا من هذه الآية فينبغي أن يضم إليها سائر الآيات، والأحاديث الدالة على عموم بعثته ﷺ كقوله: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [سورة الأعراف:158] وما شابه ذلك.
"وقال: لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ [سورة الأنعام:19] وقال: وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ [سورة هود:17] وقال: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [سورة الفرقان:1] وقال: وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [سورة آل عمران:20].
وثبت في الصحيحين أن رسول الله ﷺ قال: أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي وذكر منهن: وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعث إلى الناس عامة[1] ولهذا قال: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ [سورة الأنعام:92] أي: كل من آمن بالله واليوم الآخر؛ يؤمن بهذا الكتاب المبارك الذي أنزلناه إليك يا محمد وهو القرآن وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ [سورة الأنعام:92] أي: يقيمون بما فرض عليهم من أداء الصلوات في أوقاتها".
  1. أخرجه البخاري في كتاب التيمم (328) (ج 1 / ص 128) وفي أبواب المساجد - باب قول النبي ﷺ: جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً (427) (ج 1 / ص 168) وأخرجه أيضاً مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة (521) (ج 1 / ص 370).

مرات الإستماع: 0

"قوله تعالى: وَلِتُنْذِرَ [الأنعام: 92] عطف على صفة الكتاب".

عطف على صفة الكتاب، والمعنى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ [ص: 29] أي: لأجل البركات المشتمل عليها، ومصدقًا، يعني: والتصديق الذي بين يديه، ولتنذر، فصار في ذلك ثلاث علل لإنزال الكتاب: لأجل البركات، ولتصديق الذي بين يديه، ولتنذر.

والأكثرون يقولون بأن المعلل محذوف، والمعنى: ولتنذر أم القرى أنزلناه إليك؛ وعلى قول ابن جزي وَلِتُنذِرَ عطف على صفة الكتاب، فيكون على الوجه الأول الذي ذكرته.

"قوله تعالى: أُمَّ الْقُرى [الأنعام: 92] مكة، وسميت أم القرى لأنها مكان أوّل بيت، وضع للناس؛ ولأنه جاء أن الأرض دحيت منها؛ ولأنها يحج إليها أهل القرى من كل فج عميق".

قوله: أُمَّ الْقُرى أم الشيء هو أصله، يقال: أم الدماغ، وهكذا يقال للراية التي يجتمع حولها الجنود، توصف بأنها أم لهم، فمقدم الشيء، وأصله يقال له: أم، والمقصود هنا مكة؛ لماذا سميت بذلك؟ يقول: "لأنها مكان أوّل بيت وضع للناس" فهي الأقدم؛ ولتقدمها أيضًا أمام جميع القرى، ولجمعها ما سواها، كل ذلك.

يقول: "ولأنه جاء: أن الأرض دحيت منها" هذا روي في حديث مرفوع، لكنه لا يصح، ولا يثبت، وذكر هذا المعنى جماعة من أهل العلم: كقتادة[1] ومجاهد[2] وممن قال به من المفسرين: الواحدي[3] والبغوي[4] والقرطبي[5] والحافظ ابن رجب[6] ذكروه هكذا تعليلاً لتسميتها بأم القرى، لكن كون الأرض دحيت من تحتها هذا لا يصح فيه شيء.

يقول: "ولأنها يحج إليها أهل القرى من كل فج عميق" يعني: يقصدونها، ويأمونها، فقيل لها: أم القرى، وهي أيضًا قبلتهم، وهي أجل، وأعظم هذه القرى شأنًا.

  1.  تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (11/531).
  2.  المصدر السابق (3/60).
  3.  التفسير الوسيط للواحدي (4/43).
  4.  تفسير البغوي - إحياء التراث (2/143).
  5.  تفسير القرطبي (16/6).
  6.  تفسير الفاتحة لابن رجب (ص: 7).