الأربعاء 02 / ذو القعدة / 1446 - 30 / أبريل 2025
إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ ۖ يُخْرِجُ ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَىِّ ۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ۝ فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ۝ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [سورة الأنعام:95-97].
يخبر - تعالى - أنه فالق الحب والنوى، أي: يشقه في الثرى، فتنبت منه الزروع على اختلاف أصنافها من الحبوب، والثمار على اختلاف ألوانها، وأشكالها، وطعومها من النوى".

قوله: فَالِقُ الْحَبِّ يعني يفلق الحب فيخرج منه النبات، ويفلق النوى فيخرج منه الشجر.
وبعضهم يفسر قوله: فَالِقُ بمعنى خالق يعني خالق الحب، والنوى، والمعنى الذي قبله هو الذي عليه عامة المفسرين وهو الأقرب - والله تعالى أعلم -، وبعضهم يقول: فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى [سورة الأنعام:95] المقصود أن الله جعلها صفتها، وهيئتها مفلوقة أي مشقوقة من الوسط، فأنت ترى النواة مشقوقة من الوسط، وترى حبة البر فيها هذا الشق أيضاً، فبعضهم يقول: إن هذا هو المراد بقوله: فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى [سورة الأنعام:95] أي خلقه بهذه الهيئة، وبعضهم يقول: يفلق الحب عن السنبل، ويفلق النواة من التمرة.
والأقرب - والله أعلم - أن قوله: فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى [سورة الأنعام:95] أي: يفلق من الحب النبات فيخرج منه السنبلة، ويفلق النواة فيخرج منها الشجرة التي يخرج منها الثمر.
وعلى كل حال فالله - تبارك وتعالى - أخبر أنه فالق الحب، والنوى؛ فيدخل فيه هذا المعنى، أي يفلق الحب فيخرج منه النبات، ويفلق النوى فيخرج منه الشجر، ولا مانع من أن يدخل فيه المعنى الآخر وهو أن الله خلقها بهذه الصفة فهو فالقها، والمعنى الثالث داخل في ذلك أيضاً وهو أنه خالقها فكل هذا يصدق عليه أنه فلق، ولهذا قال: فَالِقُ الإِصْبَاحِ [سورة الأنعام:96] أي أن الله خلقه، أو أنه ينشق عمود الصبح عن الظلام فيظهر نور الصبح، وذلك يرجع إلى الخلق أيضاً فيكون معنى فالق الحب يمكن أن يدخل فيه خالق، وبهذه الصفة، ويفلق من هذا الحب النبات، ومن النوى يفلق السنبلة، وأما النوى فلا يختص بالتمر بل النوى يصدق على كل ما يمكن أن يقال: إنه كل ثمر فيه العجم سواء في ذلك الخوخ، والمشمش، والتمر وما شابه ذلك مما فيه نوى، والله أعلم.
"ولهذا فُسِّر قوله: فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى [سورة الأنعام:95] بقوله: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ [سورة الأنعام:95] أي: يخرج النبات الحيَّ من الحب، والنوى الذي هو كالجماد الميت".

الذي مشى عليه ابن كثير - رحمه الله - أن قوله: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ يكون من قبيل التفسير بفالق الحب، والنوى، بمعنى أنك إذا قلت: ما معنى قوله: فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى [سورة الأنعام:95]؟ قال: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ [سورة الأنعام:95] وهذا الذي مشى عليه ابن كثير تحتمله الآية وهو لا ينافي القول السابق، فالنواة تعتبر ميتة، والحبة تعتبر ميتة، فيخرج منها الحي وهي الشجرة الخضراء، أو النبتة الخضراء.
ويمكن أن يكون ذلك من قبيل عطف الأخبار فهو أخبر عن الله أخباراً تدل على قدرته، وعظيم شأنه ، ودقة في الخلق، وبديع صنعه، فأخبر أنه فالق الحب والنوى، وأخبر أنه يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، وعلى هذا يكون هذا خبر جديد يقرر فيه قضية جديدة تدل على قدرة الله تعالى هي قضية غير القضية الأولى.
"كقوله: وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ [سورة يس:33] إلى قوله: وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ [سورة يس:36].
وقوله: وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ [سورة الأنعام:95] معطوف على فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى [سورة الأنعام:95] ثم فسره، ثم عطف عليه قوله: وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ [سورة الأنعام:95].
وقد عبروا عن هذا وهذا بعبارات كلها متقاربة مؤدية للمعنى، فمن قائل: يخرج الدجاجة من البيضة وعكسه، ومن قائل: يخرج الولد الصالح من الفاجر وعكسه، وغير ذلك من العبارات التي تنتظمها الآية وتشملها".

على القول بالمجاز نقسم الحي والميت إلى قسمين: حي حقيقة وحي مجازاً، وميت حقيقة وميت مجازاً، والقاعدة أن اللفظ إذا دار بين الحقيقة والمجاز فالأصل حمله على الحقيقة، وإذا حملناه هنا على الحقيقة يكون معنى الآية أن الإنسان الحي خلق من نطفة ميتة، ولا يقول قائل: اكتشف العلم الحديث أن الحيوانات المنوية تسبح، فالكلام الذي يقصده الفقهاء بلغة الكتاب، والسنة؛ أن الميت هو ما لا روح فيه، فيقولون: النطفة ميتة يعني لا روح فيه، فهذا لا ينافي كون النطفة فيها حيوانات منوية تسبح ... إلى آخره.
والخلاصة أن النطفة تخرج من الإنسان ميتة وهو حي، والفرخ الحي يخرج من الدجاجة الميتة، والبيضة ميتة تخرج من الدجاجة الحية، وهكذا، ويمكن أن ندخل في هذا القول بأن النبات حي باعتبار أن الله سمى ذلك إحياء، وحياة؛ كما في قوله تعالى: وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا [سورة الروم:19] فيقال أيضاً: يخرج النبات الحي من الحبة الميتة، والشجرة الحية من النواة الميتة، والنواة الميتة تخرج من الشجرة الحية، وهكذا، هذا هو المقصود بالموت والحياة إذا حملنا لفظ الموت والحياة على المعنى الحقيقي.
وإذا حملنا الحياة على المعنى المجازي فيدخل في الحياة والموت؛ الهدى، والضلال، والإيمان، والكفر، فالله يقول: أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ [سورة الأنعام:122] فقوله: مَيْتًا يعني ضالاً، وقوله: فَأَحْيَيْنَاهُ يعني أحياه الله فعلى هذا يكون معنى قوله تعالى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ [سورة الأنعام:95] يعني يخرج المؤمن من صلب الكافر، والمهتدي من الضال، وقوله: وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ [سورة الأنعام:95] يعني يخرج الكافر من المؤمن، والضال من المهتدي، ولهذا فالحافظ ابن كثير - رحمه الله - قال: هي معان متقاربة، وهذا صحيح، فالقاعدة أنه يمكن حمل الكلام على حقيقته ومجازه ما لم يوجد مانع يمنع من ذلك؛ لأن القرآن يعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة، فتفسر الآية بهذا كله، الله ما خص شيء دون شيء، فيخرج الحي من الميت، يخرج المهتدي من الضال، ويخرج الفرخ من البيضة، وهكذا، والله أعلم.
"ثم قال تعالى: ذَلِكُمُ اللّهُ [سورة الأنعام:95] أي: فاعل هذا هو الله وحده لا شريك له فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [سورة الأنعام:95] أي: كيف تصرفون عن الحق، وتعدلون عنه إلى الباطل، فتعبدون معه غيره".

مرات الإستماع: 0

"فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى [الأنعام: 95] أي: يفلق الحب تحت الأرض لخروج النبات منها، ويفلق النوى لخروج الشجر منها، وقيل: أراد الشقين الذين في النواة، والحنطة، والأول أرجح؛ لعمومه في أصناف الحبوب".

فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى الفلق: هو شق الشيء، وإبانة بعضه عن بعض، وأصله يدل على فرجة، وبينونة في الشيء، ويأتي بمعنى: الخلق، والفطر، خالق، وفاطر فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يقول: "أي: يفلق الحب تحت الأرض لخروج النبات منها، ويفلق النوى لخروج الشجر منها" الحب معروف مثل الحنطة، وغير ذلك، والنوى يدخل فيه نوى التمر، وغير التمر، وهو ما فيه هذا العجم، والمشمش، والخوخ، وغير ذلك، فلا يختص بالتمر، فكل ما فيه عجم يقال له: نوى، نواة المشمش، ونواة الخوخ، وهكذا، وهنا على هذا المعنى الذي ذكره: يفلق الحب تحت الأرض، بمعنى أنه يخرج منه مسمار النبات، فتلاحظ أن الحبة لو حفرت، ونظرت إليها يخرج منها مثل العسلوج، يخرج منها مثل الغصن الصغير الأخضر، فهذا هو المعنى المقصود هنا فالِقُ الْحَبِّ يعني: يفلق الحب، فيخرج منه مسمار النبات، ويفلق النوى فيخرج منه مسمار النبات، فالحبة، والنواة يخرج منها هذا الدقيق الأخضر الذي يكون بعد ذلك أصلاً للشجرة مثلاً، أو النبتة، فيكون ساقًا لها مثلاً، وعنه تتفرغ إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى.

وهذا المعنى قال: "ويفلق النوى لخروج الشجر منها" وهذا الذي اختاره ابن كثير - رحمه الله -[1].

المعنى الثاني: يقول: "وقيل: أراد الشقين الذين في النواة، والحنطة" فجعل فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى من ذوات الفلقتين، يلاحظ في النواة، وفي الحب كالحنطة يوجد مثل الفلق، أو الشق، كأنها ذات ناحيتين، النواة نفسها، نواة التمر، بخلاف النوى الآخر، مثل: المانجو، والخوخ، والأرز، والشعير، والأرز، فهو ليس من ذوات الفلقتين، فالمقصود: إن منها ما يبدو على أنه ذو شقين إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يعني: جعلها ذات فلقتين، في خلقتها، وهيئتها، وشكلها، وصورتها الظاهرة على هذا المعنى.

يقول: "والأول أرجح؛ لعمومه في أصناف الحبوب" كما ذكرت لكم، أن الشعير ليس كذلك، والأرز ليس كذلك، فهذا لا يصدق على كل أنواع الحبوب، ولا كل أنواع النوى، لكن على المعنى الأول يصدق على الجميع إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يفلق الحبة، والنواة فيخرج منها مسمار النبات؛ ولهذا قال: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ [الأنعام: 95] فهذا كأنه قرينة تدل على المعنى الأول، يعني يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّت مما يدخل في معناه - كما سيأتي - أنه يخرج النبتة الحية من النواة الميتة، أو من الحبة الميتة، فهذا من المعاني الداخلة تحتها، فهو قرينة في نفس الآية تدل على هذا المعنى.

ولو قال قائل: بأن ذلك يصدق على المعنيين لم يكن بعيدًا، أن الله خلقها بهذه الهيئة، والصفة، وهو أيضًا الذي فلقها، فخرج منها النبتة، لكن إذا أردنا أن نرجح بين المعنيين، فكأن ما اختاره ابن جرير كأنه أقرب - والله أعلم -.

"قوله تعالى: يُخْرِجُ الْحَيَّ [الأنعام: 95] تقدم في آل عمران وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ معطوف على فالق".

يُخْرِجُ الْحَيَّ [الأنعام: 95] هذه الجملة يحتمل أن تكون جملة تفسيرية لما قبلها؛ يعني: فالق الحب، والنوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ [الأنعام: 95] أي: أخرج هذه النبتة من النواة الميتة، أو من الحبة الميتة، فيكون تفسيرًا له، فعلى هذا يحمل المعنى - كما ذكرت - في فلْقه الحب، والنوى: بإخراج النبتة من النواة، أو الحبة.

ويحتمل أنها خبر بعد خبر، يعني هذه جملة أخرى مستقلة عن الأولى، فهي أخبار متعاطفة، فمن دلائل عظمته، وقدرته أنه فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى [الأنعام: 95] وهذا يحتمل أن يكون خلقها بهذه الصفة، وكذلك من دلائل قدرته أنه يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ [الأنعام: 95] مثل السنبلة من الحبة، وإخراج الميت من الحي تخرج الحبة من السنبلة، وهكذا الشجرة تخرج من النواة، والنواة تخرج من الشجرة، وكذلك أيضًا الإنسان يخرج من النطفة، والنطفة تخرج من الإنسان، والنطفة كما ذكرت في بعض المناسبات يعتبرونها ميتة، وهذا الذي جرى عليه الاستعمال في القرآن، وكذلك أيضًا استعمال الفقهاء، حينما يذكرون مثل هذا يقصدون به أنه لا روح فيها، يعني: لا يتوهم متوهم أن النطفة فيها الحيوانات المنوية تَسْبح... الخ، فهذا غير مراد هنا، فحينما يقولون: ميتة يعني لا روح فيها.

وهكذا قول من قال: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ الدجاجة من البيضة، والْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ البيضة من الدجاجة، فهذه كلها معاني صحيحة، وهذا على الحقيقة، وعلى المعنى المجازي عند القائل بالمجاز يكون معنى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ المؤمن من الكافر، والْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ الكافر من المؤمن، والكافر يقال له: ميت، والمؤمن يقال له: حي أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ [الأنعام: 122] يعني: بالإيمان - والله أعلم -.

القارئ: أحسن الله إليك لما لم يعطفه على يُخرج؟

الشيخ: لأن يخرج فعل، ومخرج اسم، فأعاده على فالق، مع أن هذا في اللغة يصح، لكنه ليس محل اتفاق. 

  1. تفسير ابن كثير ت سلامة (3/304).