"وقوله: عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ أما العتل فهو الفظ الغليظ، الصحيح الجَموع، المَنُوعُ.
وروى الإمام أحمد: عن حارثة بن وهب قال: قال رسول الله ﷺ: ألا أنبئكم بأهل الجنة؟ كل ضعيف مُتَضَعَّف لو أقسم على الله لأبره، ألا أنبئكم بأهل النار؟ كل عُتل، جَوّاظ، مستكبر وقال وَكِيع: كل جَوَّاظ، جَعْظَريّ، مستكبر[1]، أخرجاه في الصحيحين، وبقية الجماعة إلا أبا داود من حديث سفيان الثوري وشعبة، كلاهما عن معبد بن خالد، به.
قال أهل اللغة: الجَعْظَريّ: "الفَظُّ، الغَليظ"، والجَوّاظ: "الجَمُوع، المَنُوع"".
عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ "العتل" فسره ابن كثير - رحمه الله - بالفظ الغليظ، الصحيح، الجموع المنوع.
يقصد "بالصحيح" يعني معافى صاحب عافية، نحن عندنا لا زال الناس يقولون ذلك، أحيانًا عندما تشتط الأم في الدعاء لولدها تقول: اللهم أعطه عافية كافر؛ لأن المؤمن يبتلى، وتكثر علله؛ لأن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فتقول: اللهم أعطه عافية كافر، هذا قصْده بأنه صحيح، يعني أنه مكتمل العافية، وصحة البدن، والله - تبارك وتعالى - يمتعهم بهذا قليلاً، وكلام عامة المفسرين في معنى هذه اللفظة "العتل" يقولون: هو الشديد الخَلق، الفاحش الخُلق.
عُتُلٍّ وما ذُكر كأنه يرجع إليه كما قال الفراء: هو الشديد الخصومة في الباطل، فهذا بمعنى شديد الخُلق، أي إنسان صعب المراس، صعب الخُلق، يصعب التفاهم والتعامل معه، ولهذا قال الزجاج: "هو الغليظ الجافي"، ويقال: عتلتُ الرجل أعتله إذا جذبته جذبًا عنيفًا، فاللفظة تدل على الشدة، ولهذا فسره ابن جرير - رحمه الله - بالجافي الشديد في كفره، يقول: كل شديد قوي، فالعرب تسميه بذلك، يقولون له: "عتل" فهذا إذًا عتل، يعني أنه شديد جافٍ، قاسٍ صلف.
المؤمن يألف ويؤلف، ومثل من كان بهذه المثابة لا يألف، ولا يؤلف، وشر الناس من أحسن الناس إليه اتقاء شره.
هذا العتل، الجواظ، المستكبر؛ هذه صفات أهل النار.
عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ يعني هو بعد ما فيه من هذه المعايب: حلاف، مهين، هماز، مشاء بالنميمة، وهو فوق ذلك: زَنِيمٍ يعني "حشفة، وسوء كيل"، على هذه الأوصاف القبيحة، منظومة من القبائح، وفوق ذلك هو زنيم، فالزنيم على المشهور من كلام المفسرين وأهل اللغة في معناه: أنه الدعي الملصق بالقوم، وليس منهم.
الذين ذكروا الزّنَمة وهي تكون في رقبة الشاة أو المعز، يعني بمعنى أن في بعض الشياه أو المعز شيئًا متدليًا في رقبتها، أليس كذلك؟ هنا تتدلى كالأصبعين، لكن لا عظم فيها من رقبة الشاة، أو المعز، وليس في كلها، يقال لها: زنمة لأنها زائدة، فهذا المعنى مشهور، ومنه قول حسان :
زنيمٌ تداعاه الرجالُ زيادةً | كما زِيد في عَرض الأديمِ الأكارعُ |
هذا معنى صحيح، وهو ثابت في اللغة، ولهذا فإن قول من قال: هو رجل من قريش كانت له زنمة كزنمة الشاة، هذا فسره بمعنى حسي، وهذا يحتاج إلى دليل، وبعضهم فسره: بالمعروف بالشر، أو بالظلوم، لكن المشهور هو الأول.
عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ الحافظ ابن كثير - رحمه الله - هنا في الأخير لما ذكر قول من قال: إنه رجل من قريش له زنمة مثل زنمة الشاة، وجه هذا القول توجيهًا آخر، فقال: ومعنى هذا أنه كان مشهورًا بالسوء كشهرة الشاة ذات الزنمة.
يعني ابن كثير يوجه ذلك أنه لم تكن له زنمة حقيقية، وإنما عرف، واشتهر بهذا، وتميز به.
ثم ذكر: أن الزنيم في لغة العرب هو الدعي في القوم، وهذا الذي اختاره ابن جرير - رحمه الله -، وأظن هذه اللفظة مستعملة إلى اليوم، يقولون: الزلمة، وهذه اللفظة يقولها أهل الشام: زلمة، ويقصدون بها الرجل، لكن "زنمة" بالنون هذه تعتبر سبة، "زنمة" فهذا معناه قذف لهذا الإنسان أنه دعي قذف له في عرضه، أنه ابن زنا مثلاً، أو نحو ذلك.
- رواه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب: عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ، رقم (4918)، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون، رقم (2853).