"وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ أي: بل لك الأجر العظيم، والثواب الجزيل الذي لا ينقطع، ولا يبيد؛ على إبلاغك رسالة ربك إلى الخلق، وصبرك على أذاهم.
ومعنى: غَيْرَ مَمْنُونٍ أي: غير مقطوع كقوله: عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [هود:108] فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ [التين:6] أي: غير مقطوع عنهم، وقال مجاهد: غَيْرَ مَمْنُونٍ أي: غير محسوب، وهو يرجع إلى ما قلناه".
هو يرجع إلى هذا بأي اعتبار؟ المقطوع بخلاف ما ذُكر: غير محسوب.
إذا كان غير محسوب فهذا كثير متتابع، وإنما الذي يحسب هو الشيء القليل المحصور، ولهذا مضى الكلام في عدد من المناسبات حينما يذكر الله جزاء المؤمنين، وأنه يوفيهم أجورهم بغير حساب؛ وذكرنا أن ذلك يدل على الكثرة، وأن الذي يحسب ويحصى هو القليل، وأما الكثير فهو يكون كما قيل: حثوًا بلا كيل، ولا ميزان لكثرته: وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ [النور: 38] على أحد المعاني في تفسيره.
فهنا حينما يقول: غير محسوب يعني معناه كثير متتابع، فهذا غير مقطوع، فيرجع إلى معنى ما سبق.
وبعضهم يقول غير هذا، يعني بعضهم يقول مثلاً: غير ممنون: لا منة فيه.
لكن بعض أهل العلم يعترض على هذا، يقول: المنة لله ، والله يمن على عباده بما يعطيهم في الدنيا، والآخرة، ومنته لا يلحقهم فيها معرة، أو نقيصة، فكيف يقال: غير ممنون من المن، فالله يمن على العباد بما أعطاهم، وحباهم؟
لكن هؤلاء لا يقصدون هذا، وتجد عند التتبع في ثنايا كلامهم ما يدل على مرادهم، يقصدون غير ممنون من الناس لا منة فيه لأحد من الخلق، فيحصل بذلك التأذي، يعني أجراً لا تنغيص فيه، ليس معه ما يكدره؛ يقصدون هذا، ففسروه بالمن المعروف.
لكن الأشهر هو تفسيره بما سبق: غير مقطوع وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ أي أجرًا كثيرًا متتابعًا، لا انقطاع فيه، غير محسوب.