الأحد 25 / ذو الحجة / 1446 - 22 / يونيو 2025
وَأُمْلِى لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"ولهذا قال هاهنا: وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ أَيْ وَأُؤَخِّرهُم، وَأُنْظِرهُم، وَأُمِدّهُم، وَذَلِكَ مِنْ كَيْدِي، وَمَكْرِي بِهِمْ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ أَيْ عَظِيم لِمَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَكَذَّبَ رُسُلِي، وَاجْتَرَأَ عَلَى مَعْصِيَتِي".

قوله - تبارك وتعالى -: سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ الاستدراج ترك المعاجلة بالعقوبة، بعضهم يقول: أصله النقل من حال إلى حال، هذا الاستدراج بما يعطيهم الله من النعم، ويدر عليهم من الأرزاق، مع ما هم فيه من الكفر، والتكذيب، ولهذا كما قال بعض السلف: إن نعم الله حينما تتتابع على العبد وهو في حال من الإعراض؛ فإن ذلك يكون استدراجًا.

يقول: وَأُمْلِي لَهُمْ أصل الملاوة المُدة من الدهر، يعني "أملى الله له": أطال له في المدة، وَأُمْلِي لَهُمْ يعني أن الله - تبارك وتعالى - يطول لهم في الأعمار ونحو ذلك، لا يعاجلهم بالعقوبة، من أجل أن تكثر ذنوبهم، وجرائمهم، فيلقون الله على أسوأ حال.

وقوله: إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ هذا تعليل، "إنّ" تفيد التعليل هنا، فهذا من كيده - تبارك وتعالى - بهم، فالإيقاع بهؤلاء بطرق خفية يقال له: كيد، إيصال المكروه بطرق تخفى عليه، فيكون ذلك من قبيل الكيد، وكيده - تبارك وتعالى - وصفه هنا بأنه: مَتِينٌ، وهذه الآية ذكر فيها الكيد مفردًا يعني من غير مقابلة، الله يقول: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ۝ وَأَكِيدُ كَيْدًا [الطارق:15-16].

وبعض أهل العلم يقول: إن هذه الصفات تأتي للمقابلة، هكذا قيدوه، وهذا فيه نظر، - والله تعالى أعلم -.

فهنا جاء من غير مقابلة، يعني لم يقابله بكيدهم، فهذا لا يشترط فيه المقابلة، وإنما يكون صفة كمال إذا كان ذلك فيمن يستحق ذلك، ولهذا فإن صفة "الكيد" ثابتة لله على ما يليق بجلاله، وعظمته، لكن حيث يكون ذلك كمالاً، فيثبت له من الصفات التي تقع على الوجهين، يعني ما يقع على وجه الكمال، وعلى وجه النقص، يثبت له من ذلك الأكمل، والأتم، وهكذا "المكر": أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ [الأعراف:99] فلم يذكره على سبيل المقابلة، بينما قال: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ [الأنفال:30] فتقييد هذا بأنه إنما يكون بمقابلة مكرهم، وكيدهم؛ هذا ليس بشرط.

وأما تفسير من فسر ذلك بالمشاكلة؛ فهذا غير صحيح، يعني المشاكلة اللفظية أنه عبر به من باب التعبير بلفظ مشاكل لما عبر به عنهم: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ، إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ۝ وَأَكِيدُ كَيْدًا، فسماه: كَيْدًا من باب المشاكلة، والمشاكلة نوع من المجاز، يعني أنه لا حقيقة لهذه الصفة، وهذا كلام غير صحيح، فليس هذا من باب المشاكلة.

"وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُول اللَّه ﷺ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّه - تَعَالَى - لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتهُ، ثُمَّ قَرَأَ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102][1]".
  1. رواه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد رقم (4686)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، رقم (2583).