الجمعة 25 / ذو القعدة / 1446 - 23 / مايو 2025
أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْأَرْضَ مِنۢ بَعْدِ أَهْلِهَآ أَن لَّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَٰهُم بِذُنُوبِهِمْ ۚ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ [سورة الأعراف:100].
قال ابن عباس - ا - في قوله: أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا [سورة الأعراف:100]: أولم نبيّن لهم أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم؟، وكذا قال مجاهد وغيره.
وقال أبو جعفر بن جرير في تفسيرها: يقول تعالى: أولم نبيّن للذين يُستخلفون في الأرض من بعد إهلاك آخرين قبلهم كانوا أهلها فساروا سيرتهم وعملوا أعمالهم وعتوا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ؟ [سورة الأعراف:100].

الصواب أن عبارة ابن جرير بالياء هكذا "أولم يَبِن للذين يستخلفون في الأرض من بعد إهلاك آخرين قبلهم كانوا أهلها فساروا سيرتهم وعملوا أعمالهم وعتوا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ؟ [سورة الأعراف:100]".
والمعنى ألم يتبين لهؤلاء الذي حلوا مكان المعذبين وتظهر لهم قدرتنا على إهلاكهم وإفنائهم والقضاء عليهم؟، هذا هو المراد، والله تعالى أعلم.
وقال أبو جعفر بن جرير في تفسيرها: يقول تعالى: أولم يبِن للذين يستخلفون في الأرض من بعد إهلاك آخرين قبلهم كانوا أهلها فساروا سيرتهم وعملوا أعمالهم وعتوا على ربهم أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ؟ [سورة الأعراف:100] يقول: أن لو نشاء فعلنا بهم كما فعلنا بمن قبلهم وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ [سورة الأعراف:100] يقول: ونختم على قلوبهم فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ [سورة الأعراف:100] موعظة ولا تذكيراً.
قلت: وهكذا قال تعالى: أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى [سورة طـه:128] وقال تعالى: أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ [سورة السجدة:26] وقال: أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ ۝ وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ الآية [سورة إبراهيم:44-45].

قوله تعالى: وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ [سورة إبراهيم:45] هذه الآية تفسر ما جاء في المواضع الأخرى كقوله تعالى: أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ [سورة طـه:128] يعني أولم يتبيّن ويتضح ويظهر لهم؟.
قال تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا [سورة مريم:98] أي: هل ترى لهم شخصاً أو تسمع لهم صوتاً، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على حلول نقمه بأعدائه وحصول نعمه لأوليائه، ولهذا عقب بقوله وهو أصدق القائلين ورب العالمين: تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ ۝ وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ [سورة الأعراف:101-102].

مرات الإستماع: 0

"قوله تعالى: أَوَ لَمْ يَهْدِ [الأعراف: 100] أو لم يتبين".

وجاء عن ابن عباس - ا -: أو لم نبين لهم[1]: أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم، وكذا جاء عن مجاهد[2] وابن جرير - رحمه الله - بلفظ: أو لم يبن لهم[3].

"قوله تعالى: لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ [الأعراف: 100] أي: يسكنونها".

هذا تفسير على المعنى، وإلا فأصل الوراثة - كما هو معلوم - قد مضى في مناسبات سابقة، يكون من بعد آخرين.

"أن لَوْ نَشَاءُ [الأعراف: 100] هو فاعل أَوَ لَمْ يَهْدِ ومقصود الآية الوعيد.

قوله تعالى: وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ [الأعراف: 100] عطفٌ على أصبناهم؛ لأنه في معنى المستقبل، أو منقطعٌ على معنى الوعيد".

وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ بمعنى نختم، يقول: "عطفٌ على أصبناهم" يعني أهلكناهم، وأخذناهم، وطبعنا على قلوبهم، فأصبناهم فعل ماضي، ونطبع فعل مضارع، فعُطِف هذا على هذا، فحمل بعض أهل العلم قوله: أَصَبْنَاهُمْ الذي بصيغة الماضي على معنى (نصيب) وهذا الذي اختاره ابن عطية - رحمه الله -[4] أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم، ونطبع على قلوبهم، فيكون الطبع مُتوعَّدًا به أيضًا، يعني بإصابتهم بذنوبهم، والطبع على قلوبهم.

لكن ردَّه الزجَّاج باعتبار أن (أصبنا) ماضي، و(نطبع) مستقبل، وحمل الكلام على أنه بمعنى: ونحن نطبع على قلوبهم[5] فلا يكون من جملة ما توعدهم به، وإنما هو إخبارٌ بذلك.

وذكر الطاهر بن عاشور - رحمه الله - أن ذلك يُفسد المعنى؛ وذلك أن هؤلاء الذين ورثوا الأرض قد طُبِعَ على قلوبهم، فلم تنفعهم دعوة النبي ﷺ يعني أنه ليس من قبيل الوعيد، وإنما هو إخبار[6].

"وأجاز الزمخشري[7] أن يكون عطفًا على: يَرِثُونَ الْأَرْضَ [الأعراف: 100] أو على ما دلَّ عليه معنى: أَوَ لَمْ يَهْدِ [الأعراف: 100] كأنه قال: يغفلون عن الهداية، ونطبع على قلوبهم".

يقول: "أو منقطع على معنى الوعيد" ونطبع على قلوبهم، وهذا الذي قلنا: إنه اختاره الزجَّاج، وكذلك الطاهر بن عاشور، والشنقيطي[8] من المعاصرين، وقبل هؤلاء المعاصرين القرطبي - رحمه الله -[9].

وكما ذكرت يكون المعنى: ونحن نطبع على قلوبهم في المستقبل، كما طبعنا عليها في الماضي، ونقل هنا قول صاحب الكشاف: أن يكون عطفًا على (يرثون) وجوَّز ذلك، أو على ما دلَّ عليه معنى أَوَ لَمْ يَهْدِ كأنه قال: يغفلون عن الهداية، ونطبع على قلوبهم، لكن ما ذكره الزجَّاج، ومن وافقه كأنه أقرب - والله تعالى أعلم -.

  1.  تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (12/580).
  2.  تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (12/580).
  3.  تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (12/580).
  4.  تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/433).
  5.  معاني القرآن، وإعرابه للزجاج (2/361).
  6.  التحرير، والتنوير (9/28).
  7.  تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (2/134 - 135).
  8.  العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (4/31).
  9.  تفسير القرطبي (7/254)