الثلاثاء 08 / ذو القعدة / 1446 - 06 / مايو 2025
قَالُوٓا۟ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِنۢ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِى ٱلْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا [سورة الأعراف:129] أي: قد فعلوا بنا مثل ما رأيت من الهوان والإذلال من قبل ما جئت يا موسى ومن بعد ذلك.

هذا يدخل فيه كل الأذى الذي حصل لبني إسرائيل من الفراعنة قبل ذلك من كونهم يعملون في الخدمة، ومن كون التقتيل وقع على أبنائهم في المرة الأولى واستحياء النساء، وغير ذلك ولا حاجة لتخصيص نوع معين من الأذى، ولذلك فإن موسى ﷺ طالبه فقال: فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ [سورة طـه:47] ومعنى ذلك أنه كان مُحكِم القبضة عليهم مبقيهم عنده يعملون بالأعمال الشاقة، فكانوا أمة ممتهنة مبتذلة مصادرة الحقوق عند هؤلاء الفراعنة، فطالبه موسى ﷺ بإطلاقهم وتركهم، وترك تعذيبهم وأذيتهم، لذلك قالوا: قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا [سورة الأعراف:129]  أي: ويتوعدنا بهذه الأمور من بعد ما جئتنا.
فقال منبهاً لهم على حالهم الحاضر وما يصيرون إليه في ثاني الحال: عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ الآية [سورة الأعراف:129] وهذا تحضيض لهم على العزم على الشكر عند حلول النعم وزوال النقم.

"عسى" إذا كانت من كلام الله فهي متحققة الوقوع، فالله إذا قال: عسى أن يجعل كذا، عسى أن يحصل كذا، فيقولون كما جاء عن ابن عباس وغيره: عسى من الله واجبة، وهكذا إذا صدر من نبي كريم يخبرهم عن وعد الله لهم فهو مؤيد بالوحي، فالله يقول: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [سورة طـه:46]  فـ"عسى" حينما يقولها نبي فمعنى ذلك أنها متحققة الوقوع؛ لأن أصل معنى عسى الترجي، فيكون ذلك على سبيل الوعد الثابت، لكن قال بعض أهل العلم: إنها جرت عادة الكبراء والعظماء والملوك أنه إذا أراد أن ينجز حاجة غيره يقول له: عسى أن نفعل لك كذا، عسى أن يحصل مقصودك، وهو يقصد العِدَة، والله تعالى أعلم.

مرات الإستماع: 0

"إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ [الأعراف: 128] تعليل للصبر الذي أمرهم به، يعني: أرض الدنيا هنا، وفي قوله: وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ وقيل: يعني أرض فرعون، فأشار لهم موسى أولاً بالنصر في قوله: يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ [الأعراف: 128] ثم صرَّح به في قوله: عَسَى رَبُّكُمْ [الأعراف: 129] الآية".

يعني وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ [الأعراف: 129] هذا الموضع قوله - تبارك، وتعالى - حكاية عن قيل موسى - عليه الصلاة، والسلام -: إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ [الأعراف: 128] يحتمل أن يكون المقصود بذلك الأرض المعهودة، وتكون (أل) عهدية، يعني أرض مصر، ويحتمل أن يكون على سبيل العموم، فالأرض لله يورثها من يشاء، ويدخل في ذلك أرض فرعون - والله أعلم -.

"قوله تعالى: فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [الأعراف: 129] حضٌّ على الاستقامة، والطاعة".

ليبتليهم بذلك بالاستخلاف، كما قال: الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ [لحج: 41] الآية.