هذا يدخل فيه كل الأذى الذي حصل لبني إسرائيل من الفراعنة قبل ذلك من كونهم يعملون في الخدمة، ومن كون التقتيل وقع على أبنائهم في المرة الأولى واستحياء النساء، وغير ذلك ولا حاجة لتخصيص نوع معين من الأذى، ولذلك فإن موسى ﷺ طالبه فقال: فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ [سورة طـه:47] ومعنى ذلك أنه كان مُحكِم القبضة عليهم مبقيهم عنده يعملون بالأعمال الشاقة، فكانوا أمة ممتهنة مبتذلة مصادرة الحقوق عند هؤلاء الفراعنة، فطالبه موسى ﷺ بإطلاقهم وتركهم، وترك تعذيبهم وأذيتهم، لذلك قالوا: قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا [سورة الأعراف:129] أي: ويتوعدنا بهذه الأمور من بعد ما جئتنا.
"عسى" إذا كانت من كلام الله فهي متحققة الوقوع، فالله إذا قال: عسى أن يجعل كذا، عسى أن يحصل كذا، فيقولون كما جاء عن ابن عباس وغيره: عسى من الله واجبة، وهكذا إذا صدر من نبي كريم يخبرهم عن وعد الله لهم فهو مؤيد بالوحي، فالله يقول: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [سورة طـه:46] فـ"عسى" حينما يقولها نبي فمعنى ذلك أنها متحققة الوقوع؛ لأن أصل معنى عسى الترجي، فيكون ذلك على سبيل الوعد الثابت، لكن قال بعض أهل العلم: إنها جرت عادة الكبراء والعظماء والملوك أنه إذا أراد أن ينجز حاجة غيره يقول له: عسى أن نفعل لك كذا، عسى أن يحصل مقصودك، وهو يقصد العِدَة، والله تعالى أعلم.