الأحد 06 / ذو القعدة / 1446 - 04 / مايو 2025
قَالَ يَٰمُوسَىٰٓ إِنِّى ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَٰلَٰتِى وَبِكَلَٰمِى فَخُذْ مَآ ءَاتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ ٱلشَّٰكِرِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

قال المفسر رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ ۝ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ [سورة الأعراف:144-145].
يذكر تعالى أنه خاطب موسى بأنه اصطفاه على أهل زمانه برسالاته تعالى وبكلامه، ولا شك أن محمداً ﷺ سيد ولد آدم من الأولين والآخرين، ولهذا اختصه الله تعالى بأن جعله خاتم الأنبياء والمرسلين الذي تستمر شريعته إلى قيام الساعة، وأتباعه أكثر من أتباع سائر الأنبياء والمرسلين كلهم، وبعده في الشرف والفضل إبراهيم الخليل ثم موسى بن عمران كليم الرحمن ولهذا قال الله تعالى له: فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ [سورة الأعراف:144]، أي: من الكلام والمناجاة، وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ [سورة الأعراف:144] أي: على ذلك ولا تطلب ما لا طاقة لك به، ثم أخبر تعالى أنه كتب له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء، قيل: كانت الألواح من جوهر وأن الله تعالى كتب له فيها مواعظ وأحكاماً مفصلة مبينة للحلال والحرام، وكانت هذه الألواح مشتملة على التوراة التي قال الله تعالى فيها: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ [سورة القصص:43]، وقيل: الألواح أعطيها موسى قبل التوراة، والله أعلم.
وقوله: فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ [سورة الأعراف:145]، أي: بعزم على الطاعة، وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا [سورة الأعراف:145].
قال سفيان بن عيينة: حدثنا أبو سعد عن عكرمة عن ابن عباس - ا - قال: أمر موسى  أن يأخذ بأشد ما أمر قومه.
وقوله: سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ [سورة الأعراف:145] أي: سترون عاقبة من خالف أمري وخرج عن طاعتي، كيف يصير إلى الهلاك والدمار والتباب.

فقول الله - تبارك وتعالى - : يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي [سورة الأعراف:145]، يعني: اصطفاه على أهل زمانه، والأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - هم صفوة قومهم وأفضلهم، فيصطفيهم الله من بين سائر الناس، ولا يقال: إن هذا الاصطفاء كان بسبب الرسالات والكلام، فقد جاء قبل موسى إبراهيم وهو أفضل منه، وأتى بعده النبي ﷺ وهو أفضل منه.
فإن قيل: إن "أل" في الناس للجنس.
نقول: النبي ﷺ اصطفاه الله برسالاته وبكلامه، فقد كلمه الله وكلم الله آدم .
 وقوله - تبارك وتعالى - : فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ كقوله: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ [سورة مريم:12]، يعني: بعزم ودون تراخٍ وتكاسل.

مرات الإستماع: 0

"قوله تعالى: اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي [الأعراف: 144] عموم يُراد به الخصوص، فإنّ جميع الرسل قد شاركوه في الرسالة، واختلف هل كلم الله غيره من الرسل أم لا؟ والصحيح: أنه كلم نبينا محمداً ﷺ ليلة الإسراء."

قوله: "اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي عموم يُراد به الخصوص، فإنّ جميع الرسل قد شاركوه في الرسالة" يعني: أنه من العام المراد به الخصوص، ويمكن أن يكون ذلك باعتبار مجموع الأمرين، أو يكون المقصود بذلك باعتبار أهل زمانه، وأن الله - تبارك، وتعالى - اصطفاه.

يقول البغوي - رحمه الله -: "وقد أُعطِي غيره الرسالة، قيل: لم تكن الرسالة على العموم في حق الناس كافة، استقام قوله: اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ وإن شاركه فيه غيره، كما يقول الرجل: خصصتك بمشورتي، وإن شاور غيره إذا لم تكن المشورة على العموم يكون مستقيمًا"[1].

وهكذا ذكر غيره أيضًا في الجواب عن هذا السؤال: بأنه - تبارك تعالى - إنما خصَّه من دون الناس، بمجموع الأمرين، كما ذكرت آنفًا: وهو الرسالة مع الكلام بغير واسطة، وهذا المجموع لم يحصل لغيره حينها، فصار التخصيص على ظاهره هنا.

إذًا على القول الأول الذي ذكره ابن جزي، وكذلك البغوي يكون من قبيل العام المراد به الخصوص، إلا إذا قيل: بأن المقصود أهل زمانه، لكن حتى لو قيل: بأن المقصود به أهل زمانه فهذا من العام المراد به الخصوص، أليس كذلك؟ على الناس؛ لأن لفظة الناس تدل على العموم، أي الجنس، جنس الناس، لا يختص بجيلٍ، أو قبيلة.

وفيما يتعلق بتكليم الله لغيره، فلا شك أن الله كلَّم نبيه ﷺ ليلة المعراج. 

"قوله تعالى: فَخُذْ ما آتَيْتُكَ [الأعراف: 144] تأديب، أي: اقنع بما أعطيتك من رسالتي، وكلامي، ولا تطلب غير ذلك. " 
  1. تفسير البغوي - إحياء التراث (2/231).