يخبر تعالى عن ضلال من ضلَّ من بني إسرائيل في عبادتهم العجل الذي اتخذه لهم السامري، من حلي القبط الذي كانوا استعاروه منهم، فشكل لهم منه عجلاً، ثم ألقى فيه القبضة من التراب التي أخذها من أثر فرس جبريل فصار عجلاً جسداً له خوار، والخوار: صوت البقر.
قوله – تبارك وتعالى - : وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى [سورة الأعراف:148]، الاتخاذ يدل على العناية بهذا الشيء المتخَذ، وأضافه إليهم جميعاً مع أن الذي فعل هذا هو السامري؛ لأنهم رضوا به وأقروه وعبدوه فنسب ذلك إليهم، كما أضاف الله قتل الناقة إلى قوم صالح مع أن الله قال: فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ [سورة القمر:29]، وقال: إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا [سورة الشمس:12] .
يقول المفسرون بناء على الروايات الإسرائيلية: إن النساء الإسرائيليات، كنّ يستعرن الحلي، من الفرعونيات فخرجوا ومعهم الحلي، الذي استعاروه، وبعضهم يقول: خرجوا في يوم عيد، ولذلك تجد من أعياد اليهود عيداً يوافق اليوم الذي حصل فيه الاجتياز، فأخذ السامري هذا الحلي وجمعه وصور لهم منه عجلاً، وأخذ قبضة من أثر فرس جبريل فألقاها عليه فصار له صوت.
والعلماء مختلفون في قوله - تبارك وتعالى - : عِجْلاً جَسَدًا هل العجل بقي من ذهب، أم أنه صار لحماً ودماً؟، لكن قوله - تبارك وتعالى - : عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ يدل على أنه لا حياة فيه، فهو مجرد صورة وهيئة دون أن يكون له حياة حقيقية.
لَّهُ خُوَارٌ، جاء عن ابن عباس أن الخوار هو الهواء الذي يدخل من فمه ويخرج من دبره فيصوت، وهذا ممكن، والله تعالى أعلم.
وهذا الفعل من الحيل التي يحتال بها السحرة للتلبيس على الناس، فقد ذكر العلماء أن رجلاً جاء إلى بعض اليهود ووجدهم يعظمون قبراً، فلاحظ أن أشجار الزيتون عندهم كثيرة، فكان الطائر يصدر صوتاً معيناً، ثم تأتي الكبار من هذا النوع من الطيور، وتأخذ حب الزيتون وتلقيه عليه، فألقى الشيطان في نفس هذا الإنسان أنه يجعل لهذا الميت قبة، ويجعل فيها فتحة في الأعلى، ويجعل فيها شيئاً يصدر هذا الصوت، مثل صوت الطائر إذا جاء الهواء في أوقات معينة، فكانت تأتي الطيور وتلقي الزيتون على هذه الفتحة التي يصدر منها هذا الصوت، فعظم اعتقادهم به وظنوا أن ذلك لكرامته وولايته ومنزلته عند الله فهذا السامري ممكن أن يكون فعل هذه الطريقة، والله تعالى أعلم.
وفعل "اتخذ" في قوله تعالى: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا، يتعدى إلى مفعولين، فالفعل الأول عجلاً، وأما جسداً فهي صفة له، وحذف المفعول الثاني في جميع المواضع التي ذكرت فيها هذه القصة، وتقديره إلهاً، فلا يتصور ولا يعقل ولا يليق أن يُذكر ويقال: إن العجل قد عُبد من دون الله تعالى، ولهذا السبب حذف المفعول الثاني.
قال المفسر -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌَ [سورة الأعراف:148]: وقد اختلف المفسرون في هذا العجل هل صار لحماً ودماً له خوار، أو استمر على كونه من ذهب إلا أنه يدخل فيه الهواء فيصوت كالبقر؟، على قولين والله أعلم، ويقال: إنهم لما صوت العجل رقصوا حوله وافتتنوا به، وقالوا: هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ [سورة طـه:88]، قال الله تعالى: أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا [سورة طـه:89]، وقال في هذه الآية الكريمة: أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً [سورة الأعراف:148]، ينكر تعالى عليهم في ضلالهم في العجل، وذهولهم عن خالق السماوات والأرض، ورب كل شيء ومليكه، أن عبدوا معه عجلاً جسداً له خوار، لا يكلمهم ولا يرشدهم إلى طريق الخير، ولكن غطى على أعين بصائرهم عمى الجهل والضلالة.