يخبر تعالى أن موسى لما رجع إلى قومه من مناجاة ربه تعالى وهو غضبان أسف، قال أبو الدرداء : الأسف أشد الغضب.
قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ يقول: بئسما صنعتم في عبادة العجل بعد أن ذهبت وتركتكم.
وقوله: أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ يقول: استعجلتم مجيئي إليكم، وهو مقدر من الله تعالى.
قوله: أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ استعجلتم مجيئي إليكم، وهو مقدر من الله، وقيل: أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ يعني: الميعاد الذي وعده الله موسى ﷺ، وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ [سورة الأعراف:142]، فهو الأربعون، ومن أهل العلم من يقول: أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ: أي: سخَِط الرب - تبارك وتعالى -، وهذا فيه بعد، والله أعلم.
يعني أن الله أخبر موسى ﷺ بأنه فتن قومه من بعده وأضلهم السامري، وموسى على الطور، فما ألقى الألواح، فلما وصل إليهم ورآهم يعبدون العجل ألقى الألواح.
وقوله: وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ خوفاً أن يكون قد قصر في نهيهم، كما قال في الآية الأخرى: قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي [ سورة طـه:92-94]، وقال هاهنا: ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [سورة الأعراف:150] أي: لا تسُقْني مساقهم ولا تخلطني معهم، وإنما قال ابن أم ليكون أرق وأنجع عنده، وإلا فهو شقيقه لأبيه وأمه.
من أهل العلم من قال: إنه شقيقه، ومنهم من قال: إنه لأمه، لكن المشهور أنه شقيقه، وذكر بعض المؤرخين أن هارون كان أكبر سناً من موسى ، وكان ليناً مع بني إسرائيل، ولذلك كانوا يركنون إليه ويميلون إليه، هكذا قال بعض المؤرخين، وقوله - تبارك وتعالى - : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا[سورة الأحزاب:69]، مما ذكر فيه أن هارون حينما مات زعم من زعم من بني إسرائيل أن موسى ﷺ هو الذي قتله، قالوا: لأنك تحسده لميل قومه إليه لطبعه، فموسى ﷺ كان يعاملهم بالحزم؛ ولذلك لما رجع انتهت المشكلة، بينما هارون كما قال: إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء، وهذا فيه عبرة، فهارون نبي من خيار الخلق، وقومه على قول هؤلاء المؤرخين يميلون إليه ومع ذلك يقول: فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء؛ لأنه ما يسلم أحد، مهما عامل الناس بلطف ومداراة ومراعاة لهم، وقومه هم بنو إسرائيل، وهم الذين خرجوا ونجوا وكانوا في صحبته، مِنهم مَن يشمتون به ويعادونه ويتهكمون به إذا حصل مثل هذا.
- رواه أحمد في المسند من حديث ابن عباس ا (3/341)، برقم (1842)، وقال محققوه: حديث صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5373).
- رواه الحاكم في المستدرك برقم (3435)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه، كتاب التفسير، تفسير سورة طه، وابن حبان في صحيحه برقم(6214) وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.