أما الغضب الذي نال بني إسرائيل في عبادة العجل فهو أن الله تعالى لم يقبل لهم توبة حتى قتل بعضهم بعضاً، كما تقدم في سورة البقرة: فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [سورة البقرة:54]، وأما الذلة فأعقبهم ذلك ذلاً وصغاراً في الحياة الدنيا.
وقوله: وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ نائلة لكل من افترى بدعة، فإن ذل البدعة ومخالفة الرسالة متصلة من قلبه على كتفيه، كما قال الحسن البصري: إن ذل البدعة على أكتافهم وإن هملجت بهم البغلات وطقطقت بهم البراذين. وهكذا روى أيوب السختياني عن أبي قلابة الجرمي أنه قرأ هذه الآية: وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ فقال: هي والله لكل مفترٍ إلى يوم القيامة. وقال سفيان بن عيينة: كل صاحب بدعة ذليل.
فكل من خالف أمر الله كأصحاب البدع والمعاصي فإن ذلك يكون نقصاً في عزتهم، فعلى قدر اتباع الإنسان واستقامته يكون له من العزة والهيبة بحسب حاله، فالناس يتفاوتون في هذا تفاوتاً كبيراً.
وقوله: وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ الله يذكر الحكم خاصاً في قضية من القضايا، فإذا كان الجزاء لا يختص بهؤلاء فأراد أن يعممه جاء بالحكم العام بعده؛ لئلا يفهم أن ذلك يختص بهم، فلم يقل: وكذلك نجزيهم، بل قال: وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ، أي: لكل من افترى - وليس هؤلاء - الذل والصغار والعذاب، وهكذا في مواضع كثيرة في القرآن يذكر قضية خاصة ثم يعقبها بحكم عام وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [سورة الأعراف:41] ونحو ذلك، ليشمل هؤلاء الذين فعلوا هذا الفعل، وغيرهم ممن شابههم، كما قال الله : وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [سورة هود:83].