الثلاثاء 08 / ذو القعدة / 1446 - 06 / مايو 2025
وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُۥ سَبْعِينَ رَجُلًا لِّمِيقَٰتِنَا ۖ فَلَمَّآ أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّٰىَ ۖ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ ۖ إِنْ هِىَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِى مَن تَشَآءُ ۖ أَنتَ وَلِيُّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا ۖ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْغَٰفِرِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

قال المفسر - رحمه الله - تعالى في تفسير قوله تعالى: وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ۝ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ [سورة الأعراف:155-156].
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - ا - في تفسير هذه الآية: كان الله أمره أن يختار من قومه سبعين رجلاً، فاختار سبعين رجلاً فبرز بهم ليدعوا ربهم، وكان فيما دعوا الله أن قالوا: اللهم أعطنا ما لم تعطه أحداً قبلنا ولا تعطه أحداً بعدنا، فكره الله ذلك من دعائهم، فأخذتهم الرجفة، قال موسى: رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ الآية.
وقال السدي: إن الله أمر موسى أن يأتيه في ثلاثين من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل، ووعدهم موعدا، وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً على عينيه، ثم ذهب بهم ليعتذروا، فلما أتوا ذلك المكان، قالوا: لن نؤمن لك يا موسى حتى نرى الله جهرة، فإنك قد كلمته فأرناه، فأخذتهم الصاعقة، فماتوا، فقام موسى يبكي ويدعو الله ويقول: رب ماذا أقول لبني إسرائيل إذا لقيتهم وقد أهلكت خيارهم، رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ.
وقال محمد بن إسحاق: اختار موسى من بني إسرائيل سبعين رجلاً الخيّرَ فالخيّرَ، وقال: انطلقوا إلى الله فتوبوا إليه مما صنعتم وسلوه التوبة على من تركتم وراءكم من قومكم، صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم، فخرج بهم إلى طور سينا؛ لميقات وقّته له ربه، وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعلم، فقال السبعون - فيما ذكر لي حين صنعوا ما أمرهم به، وخرجوا معه للقاء ربه - لموسى: اطلب لنا نسمع كلام ربنا، فقال: أفعل، فلما دنا موسى من الجبل، وقع عليه عمود الغمام حتى تغشّى الجبل كله، ودنا موسى فدخل فيه، وقال للقوم: ادنوا، وكان موسى إذا كلمه الله وقع على جبهة موسى نور ساطع، لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه، فضرب دونه بالحجاب، ودنا القوم حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجوداً، فسمعوه وهو يكلم موسى يأمره وينهاه افعل ولا تفعل، فلما فرغ إليه من أمره انكشف عن موسى الغمام، فأقبل إليهم فقالوا: يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [سورة البقرة:55]، فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ [سورة الأعراف:78]، وهي الصاعقة، فافتُلتتْ أراحهم فماتوا جميعاً، فقام موسى يناشد ربه ويدعوه ويرغب إليه ويقول: رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ قد سفهوا، أفتهلك مَن ورائي من بني إسرائيل.
وقال ابن عباس - ا - وقتادة ومجاهد وابن جرير: إنهم أخذتهم الرجفة لأنهم لم يزايلوا قومهم في عبادة العجل ولا نهوهم، ويتوجه هذا القول بقول موسى: أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا، وقوله: إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ.

فقوله - تبارك وتعالى - : وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً أي: اختار من قومه سبعين رجلاً، لِّمِيقَاتِنَا أي: للموعد والوقت الذي وقّته الله له لتكليمه ومناجاته، فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ، الرجفة هي: الزلزلة الشديدة، وفي سورة البقرة فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ [سورة البقرة:55].
وقوله: قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا الأقوال التي ذكرها الحافظ ابن كثير عن جماعة من السلف فمن بعدهم ليس فيها شيء تقوم به حجة؛ لأنها من الإسرائيليات، والأمور الغيبية لا تتلقى من مثل هذه الروايات، بل تحتاج إلى خبر عن المعصوم ، وهذه القضايا لا يدخلها الاجتهاد، فاختيار الموعد والميقات وسبب صعقهم قد يكون بسبب قولهم: اللهم أعطنا ما لم تعطه أحداً قبلنا، ولا تعطه أحداً بعدنا، أو بسبب أنهم طلبوا رؤية الله لما سمعوه يكلم موسى طمعوا في الرؤية، ويكون هذا المقام هو المذكور في سورة البقرة وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ [سورة البقرة:55]، أو أن هؤلاء لما سمعوه يأمر موسى وينهاه قالوا: سمعناه يقول كذا وكذا وكذا ثم قال: إن شئتم فافعلوا، وإن شئتم فلا تفعلوا، فبدلوا وغيروا وهم على الطور، أو أن هؤلاء جاءوا للاعتذار من عبادة العجل، والتوبة إلى الله - تبارك وتعالى - كما قاله بعض السلف وهو اختيار ابن جرير، فهذا كله يحتمل، أو أخذتهم الرجفة؛ لأنهم لم يزايلوا عبادة العجل، لم يفارقوهم ويفاصلوهم، وإنما بقوا معهم ينتظرون حتى رجع موسى ، فهؤلاء خيارهم، قال: ولم يزايلوهم فعاقبهم الله بهذا، وهكذا قوله: أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا، وهنا قد يكون إشكال وهو أن هؤلاء وهم خيار بني إسرائيل، أمة عظيمة جداً يختار منها في زمن موسى ، والذي يصطفيهم هو نبي الله ﷺ مؤيداً بالوحي، ثم بعد ذلك يكونون سفهاء، أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا، هذا باعتبار أن الصاعقة أو الرجفة التي وقعت بسبب سؤال هؤلاء عما لا يليق، إما بسبب سؤال الرؤية، أو بسبب سؤالهم أن يعطيهم ما لم يعطِ أحدا قبلهم أو بعدهم، أو أن قولهم: أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا أي: الذين عبدوا العجل، ولعل هذا أقرب - والله أعلم - ، وتكون الرجفة بسبب ما وقع من عبادة العجل، يبينه أن موسى قال: أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ، والله يقول لموسى ﷺ قبل ذلك: فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ [سورة طـه:85]، فهنا يقول: إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ، فالله يضل من يشاء ويهدي من يشاء، فلو قال قائل: إن هذا القول هو أقرب هذه الأقوال، وإن هذه الرجفة وقعت بسبب هذا، لم يكن ذلك بعيداً، لكنه يحتمل غير هذا أيضاً، والقطع والجزم في مثل هذا يصعب؛ لأنه قد يكون بسبب سؤالهم كما قال الله : وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ [سورة البقرة:55] وكل هذا من تفسير القرآن بالقرآن، فيحتمل أن يكون المراد بهذا الموطن هو المشار إليه في سورة البقرة، ويحتمل غيره، فمن أهل العلم من يقول: هو نفسه، الرجفة بسبب سؤالهم الرؤية، فالعلم عند الله ، ومثل هذا لا شك أنه وقع بسبب إساءة وذنب، فكان عقوبة لهم، أما تحديد السبب ما هو، فمثل هذا بالنسبة إلينا لا يترتب عليه عمل، وليس من الصواب الدخول في مزيد من التفصيلات، وليس عندنا فيها مستند، - والله أعلم -.
وقوله: إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ: أي: ابتلاؤك واختبارك وامتحانك، قاله ابن عباس - ا -، وسعيد بن جبير وأبو العالية والربيع بن أنس، وغير واحد من علماء السلف والخلف، ولا معنى له غير ذلك، يقول: إن الأمر إلا أمرك، وإن الحكم إلا لك، فما شئت كان، تضل من تشاء وتهدي من تشاء، ولا هادي لمن أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، فالملك كله لك، والحكم كله لك، لك الخلق والأمر.
وقوله: أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ الغفر: هو الستر وترك المؤاخذة بالذنب، والرحمة إذا قرنت مع الغفر يراد بها ألا يوقعه في مثله في المستقبل، وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ: أي لا يغفر الذنب إلا أنت.

 

مرات الإستماع: 0

"وَاخْتارَ مُوسَى قَوْمَهُ [الأعراف: 155] أي: من قومه سَبْعِينَ رَجُلاً [الأعراف: 155] حملهم معه إلى الطور يسمعون كلام الله لموسى فقالوا: أرنا الله جهرة فأخذتهم الرجفة عقابًا لهم على قولهم.

وقيل: إنما أخذتهم الرجفة لعبادتهم العجل، أو لسكوتهم على عبادته، والأول أرجح لقوله فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةࣰ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ.

ويحتمل أن تكون رجفة موت، أو إغماء، والأول أظهر لقوله: ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ [البقرة: 56]."

هنا قوله: وَاخْتارَ مُوسَى قَوْمَهُ قال: أي من قومه سبعين رجلاً، فهو منصوب على نزع الخافض، يعني، واختار موسى سبعين رجلاً من قومه، فلما نُزِع الخافض: حرف الجر "من" قال: وَاخْتارَ مُوسَى قَوْمَهُ يعني من قومه، اختار هؤلاء السبعين كما يقول ابن جرير - رحمه الله - للتوبة من عبادة العجل[1] من عبادة سفهائهم حيث عبدوا العجل، يعتذرون إلى الله - تبارك، وتعالى - فقالوا ما قالوا، هؤلاء خيار بني إسرائيل، فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة عقابًا - كما يقول ابن جزي - على هذا الطلب.

وبعضهم يقول: بأن ذلك لأمرٍ آخر، يقولون: ادَّعوا أن موسى - عليه الصلاة، والسلام - قتل هارون، هذا يذكره بعض المفسرين - والله أعلم - يعني يزعمون أن هارون - عليه الصلاة، والسلام - كان ليِّنًا سهلاً في تعامله معهم، فكانوا يحبونه أكثر من محبتهم لموسى - عليه الصلاة، والسلام - فيقولون: بأن موسى - عليه الصلاة، والسلام - حسده على ذلك - قبحهم الله - فزعموا هذا الزعم فأخذتهم الصاعقة، لكن هذا لا دليل عليه، وإنما طلبوا رؤية الله : لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ [البقرة: 55].

الفاء تدل على ترتيب ما بعدها على ما قبلها، هذا هو سبب اتباع التعليل فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة: 56] ولهذا هنا يقول: بأن ذلك كان موتًا، وهذا هو الصحيح؛ لأنه قال: ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ بخلاف الصعق الذي حصل لموسى - عليه الصلاة، والسلام - وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا [الأعراف: 143] قلنا هناك بأنه صعق غشية فَلَمَّا أَفَاقَ [الأعراف: 143] وهذا هو الفرق - والله تعالى أعلم -.

يقول: وقيل: وإنما أخذتهم الرجفة لعبادتهم العجل، أو لسكوتهم عن عبادته، يعني لم يزايلوا من عبد العجل، ولم ينهوهم، كما جاء عن ابن عباس - ا - وقتادة، ومجاهد[2] وابن جرير[3] أن هذه الصعقة، أو الرجفة كانت بسبب عدم تغييرهم على من عبد العجل، فأخذتهم الرجفة - والله أعلم -.

قوله تعالى: لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ [الأعراف: 155] يحتمل أن تكون "لو" هنا للتمني أي تمنى أن يكون هو، وهم قد ماتوا قبل ذلك؛ لأنه خاف من تشغيب بني إسرائيل عليه إن رجع إليهم دون هؤلاء السبعين.

ويحتمل أن يكون قال ذلك على، وجه التضرع، والاستسلام لأمر الله كأنه قال: لو شئت أن تهلكنا قبل ذلك لفعلت فإنَّا عبيدك، وتحت قهرك، وأنت تفعل ما تشاء.

ويحتمل أن يكون قالها على وجه التضرع، والرغبة كأنه قال: لو شئت أن تهلكنا قبل اليوم لفعلت، ولكنك عافيتنا، وأبقيتنا فافعل معنا الآن كما عوَّدتنا، وأحي هؤلاء القوم الذين أخذتهم الرجفة.

هذا الأخير هو الأقرب - والله تعالى أعلم -.

"قوله تعالى: أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا [الأعراف: 155] أي: أتهلكني، وتهلك بني إسرائيل بما فعل السفهاء الذين طلبوا الرؤية، والذين عبدوا العجل، فمعنى هذا إدلاء بحجته، وتبرؤ من فعل السفهاء، ورغبة إلى الله ألا يعم الجميع بالعقوبة."

هنا ابن جزي - رحمه الله - جمع بين قولين في قوله: أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا. الذين طلبوا الرؤية. وكذلك الذين عبدوا العجل.

 فهذان قولان جمع بينهما، والأخير أنهم الذين عبدوا العجل أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا يعني عبادة العجل، وهو اختيار ابن جرير - رحمه الله -[4].

"قوله تعالى: إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ [الأعراف: 155] أي الأمور كلها بيدك تُضِلُّ مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ [الأعراف: 155] ومعنى هذا: اعتذار عن فعل السفهاء، بأنه كان بقضاء الله، ومشيئته."

قوله: إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ ذكر الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله -[5] أن موسى - عليه الصلاة، والسلام - قال ذلك؛ لأن الله قال له قبل ذلك: قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ [طه: 85] فعبَّر بنفس العبارة: إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ فقال ما قال، وهذا لا إشكال فيه.

وبعضهم قال: إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ يعني ابتلاؤك، واختبارك، وامتحانك كما جاء عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، وأبي العالية، وربيع بن أنس، واختاره ابن كثير[6] وهذا لا ينافي ما سبق، ما ذكره الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، ابتلاؤك، واختبارك.

لكن الكلام في استعمال مثل هذه العبارة في مخاطبة الله - تبارك، وتعالى - يعني بعض المفسرين يقول: يعني ما مقصود موسى - عليه الصلاة، والسلام - حينما قال ذلك لله: إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ فيوردون كلامًا في هذا، وسؤالاً، وجوابًا، لكن ما ذكره الشنقيطي - رحمه الله - واضح، أنه جاء التعبير بها قبل ذلك فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ فقال: إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ ابتلاؤك، واختبارك، فهذا في غاية الأدب مع الله - تبارك، وتعالى - ولا غضاضة في هذا، ولا إشكال، ولا حاجة لذكر كلام بعض من تكلم في هذه المسألة.

فالله - تبارك، وتعالى - يمتحن عباده، ويختبرهم بالحسنات، والسيئات؛ ليتبين بذلك أهل الإيمان، والتقوى، والصبر من غيرهم إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ يبتليهم بذلك، ويبتليهم بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، يبتليهم بما يظهر به الصادق من الكاذب، والمؤمن الحق من المنافق، فيكون ذلك الابتلاء سببًا لضلال أقوامٍ، وهدى آخرين - والله تعالى أعلم -. 

  1.  تفسير الطبري (10/468).
  2.  انظر: تفسير ابن كثير (1/264).
  3. تفسير الطبري (1/696).
  4.  المصدر السابق (10/468).
  5.  العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (4/197).
  6.  تفسير ابن كثير (3/481).