قوله ﷺ: أما صاحبكم هذا فقد غامر يعني أبا بكر لما أقبل ورأى هيئته، وقد عرف ذلك ﷺ بالفراسة، ومعنى قوله: "غامر" أي غاضب، ويحتمل أن يكون المعنى أنه بذل جهده وفعل ما عليه في استدراك التقصير والاعتذار.
ومن محبة أبي بكر لعمر أنه اعتذر له، وخاف أن يسبق من النبي ﷺ إلى عمر شيء بسببه فأراد أن يهدئ من غضب النبي ﷺ فقال: أنا أظلم، أي: أنا المخطئ.
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس - ا - مرفوعاً: أن رسول الله ﷺ قال: أعطيت خمساً لم يعطهن نبي قبلي ولا أقوله فخراً، بعثت إلى الناس كافة الأحمر والأسود، ونصرت بالرعب مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأعطيت الشفاعة فأخرتها لأمتي يوم القيامة، فهي لمن لا يشرك بالله شيئاً[2]، إسناده جيد ولم يخرجوه.
وقوله: الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ [سورة الأعراف:158] صفة الله تعالى في قوله: رَسُولُ اللّهِ أي: الذي أرسلني هو خالق كل شيء وربه ومليكه الذي بيده الملك والإحياء والإماتة وله الحكم.
وقوله: فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ [سورة الأعراف:158] أخبرهم أنه رسول الله إليهم ثم أمرهم باتباعه والإيمان به، النَّبِيِّ الأُمِّيِّ أي: الذي وعدتم به وبشرتم به في الكتب المتقدمة، فإنه منعوت بذلك في كتبهم، ولهذا قال: النَّبِيِّ الأُمِّيِّ.
وَاتَّبِعُوهُ، أي: اسلكوا طريقه واقتفوا أثره، لعلكم تهتدون: أي إلى الصراط المستقيم.
قوله - تبارك وتعالى - : فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ [سورة الأعراف:158]، اختلف أهل العلم في معنى الأمي، على أقوال:
الأول: الأمي منسوب إلى هذه الأمة الأمية التي لا تعرف الكتابة.
الثاني: نسبة إلى الأم، أي: أن الله تعالى أخرج الإنسان من بطن أمه وهو لا يعرف شيئاً، قال : وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [سورة النحل:78].
الثالث: الأمي نسبة إلى أم القرى، وهذا بعيد.
وقد امتن الله تعالى ببعثة النبي ﷺ بهذه الصفة؛ تحقيقاً للمعجزة، وحتى لا يقال: إنه ﷺ تعلم على يد أحد الناس، وتصديقاً للأخبار التي وردت في الكتب السماوية.
اختلف أهل العلم في تفسير الكلمات على أقول:
الأول: الكلمات هي الكتب المنزلة.
الثاني: المقصود بالكلمات هو عيسى لأنه كان بكلمة "كن" قال : وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ [سورة النساء:171].
الثالث: من أهل العلم من فسر الكلمات بقوله - تبارك وتعالى - : قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا [سورة الكهف:109]، وبقوله: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [سورة لقمان:27] فهذا يشمل الكلمات الكونية والكلمات الشرعية.
والكلمات جمع مضاف إلى معرفة، فيفيد العموم، فمن قال: إن الكلمات هي الكلمات الشرعية والكونية لم يكن بعيداً عن الصواب - والله أعلم -.
وقول النبي ﷺ: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق[3]، هي الكلمات الكونية، ولهذا ورد في بعض الروايات، أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر[4]، فالتي لا يجاوزها بر ولا فاجر هي الكلمات الكونية، وهي المعبَّر عنها في مراتب القدر بالخلق.
- رواه البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي ﷺ ولو كنت متخذا خليلاً (3/1339)، برقم: (3461).
- رواه أحمد في مسنده (1/301)، برقم: (2742)، ورواه البخاري، كتاب الصلاة، باب قول النبي ﷺ جعلت لي الأرض مسجداً وطهورا (1/168)، برقم: (427)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة (1/370)، برقم: (521) من حديث جابر بن عبد الله ا قال: قال رسول الله ﷺ: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة، وأعطيت الشفاعة.
- رواه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره (4/2080)، برقم: (2708).
- رواه أحمد في مسنده (24 / 202)، برقم: (15461).