الجمعة 18 / ذو القعدة / 1446 - 16 / مايو 2025
فَخَلَفَ مِنۢ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا ٱلْأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُۥ يَأْخُذُوهُ ۚ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَٰقُ ٱلْكِتَٰبِ أَن لَّا يَقُولُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلْحَقَّ وَدَرَسُوا۟ مَا فِيهِ ۗ وَٱلدَّارُ ٱلْءَاخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

قال الله تعالى: أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ [سورة الأعراف:169] الآية، يقول تعالى منكراً عليهم في صنيعهم هذا مع ما أخذ عليهم من الميثاق، ليبيننّ الحق للناس ولا يكتمونه، كقوله: وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ [سورة آل عمران:187]، وقال ابن جريج: قال ابن عباس - ا - : أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قال: فيما يتمنون على الله في غفران ذنوبهم التي لا يزالون يعودون فيها ولا يتوبون منها.

قوله: وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ يعني: والحال أنهم قد درسوا ما في الكتاب وعلموه، فهم حينما يفعلون ذلك ويقدمون عليه فإنهم لا يفعلونه جهلاً، وإنما عن علم وفهم ومعرفة بأحكام الله ، وهذا هو المتبادر من معناها، ودرسوا ما فيه: أي لم يكن ذلك عن جهل وغفلة، ومن أهل العلم من قال: وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ، من الاندراس يعني: أن ما في الكتاب قد ذهب وانمحى لترك العمل به، والقول الأول أرجح وهو المتبادر، والله أعلم.
وقوله تعالى: وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ [سورة الأعراف:169]، يرغبهم في جزيل ثوابه، ويحذرهم من وبيل عقابه، أي: وثوابي وما عندي خير لمن اتقى المحارم وترك هوى نفسه، وأقبل على طاعة ربه، أَفَلاَ تَعْقِلُونَ يقول: أفليس لهؤلاء الذين اعتاضوا بعرض الدنيا عما عندي عقل يردعهم عما هم فيه من السفه والتبذير؟

مرات الإستماع: 0

"فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ [الأعراف: 169] أي: حدث بعدهم قوم سوء، والخلف بسكون اللام ذم، وبفتحها مدح."

هذا هو الغالب، وإلا فقد يُستعمَلُ أحدهما في موضع الآخر، يعني: لغة لكن المشهور أنه بالسكون الخلف السيء، وبالفتح للطيب.

"والمراد من حدث من اليهود بعد المذكورين، وقيل: المراد النصارى."

الذي يظهر من الكلام في اليهود.

"قوله تعالى: يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى [الأعراف: 169] أي: عرض الدنيا"

العرض يعني ما لا يكون له ثبات من مال، وما يعرض من شهوات فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً [البقرة: 79] فكانوا يأخذون الرشى، ونحو ذلك، يعني يأخذون عرض هذا الأدنى، يعني الأمر الأقرب، وهي الدنيا، حطام الدنيا.

"قوله تعالى: وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا [الأعراف: 169] لَنا ذلك اغترار منهم، وكذب.

وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ [الأعراف: 169] الواو للحال أي يرجون المغفرة، وهم يعودون إلى مثل فعلهم."

يعني: توبة كاذبة، أصلاً هم لم يتوبوا وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً [البقرة: 80] يعني بقدر عبادتهم للعجل.

"قوله تعالى: مِيثاقُ الْكِتابِ أن لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ [الأعراف: 169] إشارة إلى كذبهم في قولهم: سيغفر لنا."

الميثاق عقد مؤكد، أصله مؤكد بيمين، وعهد، فأصل العقد العهد، أو الميثاق أصله يأتي بمعنى الإحكام، والعقد، ونحو ذلك، لاحظ العقد، والعقدة فيها ربط، وشد، ونحو ذلك وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران: 187].

"وإعراب ألا يقولوا عطف بيان على ميثاق الكتاب."

يعني: باعتبار أن قول الحق هو ميثاق الكتاب، ألا يقولوا على الله إلا الحق مِيثاقُ الْكِتابِ أن لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وعرفنا أن عطف البيان هو بمعنى البدل، لكن إذا كان الثاني أوضح من الأول قيل له عطف بيان، وإلا فبعض أهل العلم يقولون بأنه بدلٌ مرفوع أن لا يَقُولُوا بدل مرفوع من ميثاق الكتاب.

"أو تفسير له، أو تكون أن حرف عبارة، وتفسير."

يعني: باعتبار أن ميثاق الكتاب بمعنى القول، و(لا) تكون ناهية، لاحظ يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب (أن) تكون تفسيرية، لا يقولوا على الله إلا الحق، (لا) ناهية أن لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وعلى ما سبق تكون (لا) نافية أن لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ.