الثلاثاء 01 / ذو القعدة / 1446 - 29 / أبريل 2025
ثُمَّ لَءَاتِيَنَّهُم مِّنۢ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَٰنِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَٰكِرِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

وقوله: ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْالآية [سورة الأعراف:17] قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - ا - : ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ أشكّكهم في آخرتهم وَمِنْ خَلْفِهِمْ أرغِّبهم في دنياهم وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ أشبِّه عليهم أمر دينهم وَعَن شَمَآئِلِهِمْ أشهّي لهم المعاصي.

هذا أحد الأقوال في تفسير الجهات الأربع المذكورة في الآية، ما بين أيديهم أي: ما يستقبلون، وهي الآخرة، ومن خلفهم يعني ما يتركونه وراء ظهورهم وهي الدنيا، وعن اليمين يعني الأعمال الطيبة، وعن الشمال يعني الأعمال السيئة، هكذا قال بعضهم، وبعضهم يقول: ذكر الجهات الأربع؛ لأنها الجهات التي يأتي منها العدوُّ عدوَّه، فهو إما أن يأتي من الأمام أو الخلف أو عن اليمين أو عن الشمال.
عبر بـ"من" فقال: مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ [سورة الأعراف:17] وعبر بـ"عن" فقال: وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ [سورة الأعراف:17] وقد ذكر بعض أهل العلم في وجه المغايرة أن الذي يأتي الشخص من الأمام أو من الخلف يكون متوجهاً إليه بكامل بدنه، أما الذي يأتي من اليمين أو الشمال فإنه يكون منحرفاً عنه لا مواجهاً له، والله تعالى أعلم.
 والقول بأن قوله: مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ [سورة الأعراف:17] يعني الآخرة هذا تحتمله الآية، لكن القطع به يصعب؛ إذ ليس عليه دليل، ولذلك فإن بعضهم يقول: مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ [سورة الأعراف:17] يعني دنياهم، وَمِنْ خَلْفِهِمْ [سورة الأعراف:17] يعني عكس القول الأول.
وقوله: وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ [سورة الأعراف:17] قيل اليمين الحسنات، والشمال السيئات، يعني أنه يأتيهم من جهة الحسنات فيثبطهم عنها، ويأتيهم من جهة السيئات فيغريهم بها.
وبعضهم يقول: وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ [سورة الأعراف:17] يعني من حيث يبصرون ومن حيث لا يبصرون، فالإنسان يبصر ما أمامه ولا يبصر من خلفه مثلاً، وقد لا يبصر عن يمينه ولا عن شماله، وعلى كل حال هذا كله تحتمله الآية، لكن ليس عندنا دليل يحدد أحد هذه المعاني، والمقصود: أنه يأتيه من كل طريق مستطاع لإضلاله، فهو لا يترك سبيلاً لإغوائه إلا سلكه، فإذا كان الإنسان فيه رغبة في الخير حاول أن يثبطه عنه، فإن لم يتثبط عنه حاول أن يفسده عليه، فإن كان فيه ميل إلى الدين والعبادة أوقعه في الغلو، وإذا كان فيه ميل إلى إنكار المنكر والغيرة على الدين أوقعه في شيء من الإفراط، وإن كان فيه ميل إلى النساء فإنه يدخل عليه من هذا الباب، وإن كان له ميل إلى المال فإنه يغويه من هذا الباب وهكذا، يحاول أن يضله، وأن يوقعه في الشرك وترك عبادة الله بالكلية، فإن لم يستطع فإنه يحرص أن يفسد عليه عمله، فإن لم يستطع فإنه يشغله بالوساوس والخواطر المزعجة، فهو لا يترك سبيلاً يستطيع إيذاءه منه إلا سلكه.
والمراد جميع طرق الخير والشر، فالخير يصدهم عنه والشر يحببه لهم.
وقال الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس - ا - في قوله: ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ [سورة الأعراف:17] ولم يقل من فوقهم؛ لأن الرحمة تنزل من فوقهم.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - ا - : وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [سورة الأعراف:17] قال: موحدين.
وقول إبليس هذا إنما هو ظن منه وتوهم، وقد وافق في هذا الواقعَ، كما قال تعالى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ۝ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ [سورة سبأ:20-21].
ولهذا ورد في الحديث الاستعاذة من تسلط الشيطان على الإنسان من جهاته كلها، كما روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر - ا - قال: لم يكن رسول الله ﷺ يدع هؤلاء الدعوات حين يصبح وحين يمسي: اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسلك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يديَّ ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي قال وكيع: من تحتي يعني الخسف، ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم، وقال الحاكم: صحيح الإسناد[1].
  1. أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1200) (ص 411) وأبو داود في كتاب الأدب -  باب ما يقول إذا أصبح (5076) (ج 4 / ص 479) والنسائي في عمل اليوم والليلة – باب ما يقول إذا أمسى (10401) (ج 6 / ص 145) وأحمد (4785) (ج 2 / ص 25) وابن حبان (961) (ج 3 / ص 241) وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد برقم (508).

مرات الإستماع: 0

"ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ الآية: أي من الجهات الأربع، وذلك عبارة عن تسليطه على بني آدم كيفما أمكنه، وقال ابن عباس: من بين أيديهم الدنيا، ومن خلفهم الآخرة، وعن أيمانهم الحسنات، وعن شمائلهم السيّئات[1]."

هذا جاء ثابت عن ابن عباس - ا - من طريق ابن أبي طلحة، أيضًا من بين أيديهم، قال أشككهم في أخرتهم، ومن خلفهم قال أرغبهم في دنياهم، وعن أيمانهم أشبه عليهم أمر دينهم، وعن شمائلهم أشهي لهم طريق المعاصي[2].

وأما الرواية الثانية عن ابن عباس هي التي ذكرها ابن جزي من بين أيديهم الدنيا، ومن خلفهم الآخرة، وعن أيمانهم الحسنات، وعن شمائلهم السيّئات.

المقصود أنه توعد أن يأتيهم من كل ناحية، وذكر النواحي الأربعة، فيأتيهم في أمور دينهم، ودنياهم، وبطريق الشهوات، والشبهات.

  1. تفسير الطبري (12/339).
  2. تفسير الطبري (12/338).