الثلاثاء 15 / ذو القعدة / 1446 - 13 / مايو 2025
وَلِلَّهِ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا۟ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِىٓ أَسْمَٰٓئِهِۦ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [سورة الأعراف:180].
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ : إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة وهو وتر يحب الوتر[1]. أخرجاه في الصحيحين، وأخرجه الترمذي في جامعه مثله.

قوله: وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى الحسنى أي: البالغة في الحسن غايته، فهي حسنى من حيث الألفاظ، ليس فيها اسم يستقبح عند سماعه وإن كان معناه حسناً، وهي أيضاً في غاية الحسن من ناحية المعاني؛ لأن كل أسماء الله مشتقة، فهي تتضمن أوصافاً من أوصاف الكمال، منها ما يتضمن صفة ومنها ما يجمع جميع صفات الكمال، فهي حسنى من هذه الحيثية، وهي كثيرة جداً، وقد ذكر بعض أهل العلم كابن العربي أن من العلماء من جمع من الكتاب والسنة ألف اسم، وهي ربما لا تبلغ هذا؛ لأن من العلماء من يجمع طائفة كثيرة من الأوصاف ويجعلها من جملة الأسماء، ومسألة الأسماء وتحديد الضابط الذي يضبطها بحيث يميزها عما هو صفة أو فعل لله ، أو نحو ذلك، قد يصعب أن يؤتى بضابط دقيق يميزها؛ ولذلك العلماء - رحمهم الله - يختلفون في بعض الأسماء إذا حاولوا جمع الأسماء الواردة مثلاً في القرآن والسنة، فتجدهم يتفاوتون، منهم من يذكر بعض الأسماء، ومنهم من لا يذكرها، والله تعالى أعلم.
وقد جمع الحافظ ابن حجر - رحمه الله - من القرآن تسعة وتسعين اسماً، من أجل أن يوافق قول النبي ﷺ : إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة، وأما الحديث الوارد في هذا عند الترمذي والحاكم وغيرهما، فإن سرد الأسماء لا يصح؛ ولهذا قال ابن حزم بأنها مضطربة، وضعفها المحققون كالحافظ ابن كثير - رحمه الله - والحافظ ابن حجر - أي أحاديث سرد الأسماء - ، فهي روايات مدرجة، أما حديث إن لله تسعة وتسعين اسماً فإنه حديث ثابت في الصحيحين وغيرهما، ومعنى من أحصاها دخل الجنة أي: أن أسماء الله كثيرة جداً، من هذه الأسماء هذا القدر الذي هو تسعة وتسعون له مزية، وإلا فأسماء الله لا تحصى؛ لأنه ورد في الحديث: أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو علمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك[2]، فأخبرنا الله عن جملة كثيرة من أسمائه في الكتاب، وكذلك أخبرنا النبي ﷺ، لكن هذا الحديث ليس فيه الحصر، ليس فيه ما يدل على أن أسماء الله هي هذا العدد فقط إطلاقاً، ومعنى أحصاها يعني: بالعد عرفها وفهم معانيها، وما دلت عليه من أوصاف الكمال، وتعبد الله بمقتضاها، فهذا كله داخل في الإحصاء.
 وقوله: فَادْعُوهُ بِهَا يدخل فيه دعاء العبادة ودعاء المسألة، دعاء المسألة أن تدعو بكل اسم بما يناسب الحال، فتقول: يا رحمن ارحمني، يا غفور اغفر لي، يا تواب تب عليّ، تب علي يا رب إنك أنت التواب الرحيم، هذا هو المناسب، وأكثر دعاء الأنبياء في القرآن رَبَّنَا بذكر الرب - تبارك وتعالى -، وقد ذكر الشاطبي في الموافقات أن ذلك يرجع إلى أن إجابة دعاء الداعين وإعطاء السائلين، كل هذا من معاني الربوبية، فيقال: يا رب يا رب، فالرب هو المتصرف المدبر الرازق المعطي، ولا يقال: يا منتقم اغفر لي؛ لأنه غير مناسب، وكذلك دعاء العبادة، أن يتعبد الإنسان لله بمقتضاها، فإذا عرف أن الله  - تبارك وتعالى - هو القوي المتين فإنه سيتوكل عليه، إذا عرف أن الله - تبارك وتعالى - هو الغفور الرحيم فإنه لا يقنط ولا ييأس من رحمته، وإنما يلجأ إليه ويتوب إليه وهكذا، فيعبد ربه بمقتضى هذه الأسماء، فيدخل فيه دعاء العبادة ودعاء المسألة.

ثم ليعلم أن الأسماء الحسنى غير منحصرة في تسعة وتسعين، بدليل ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله ﷺ أنه قال: ما أصاب أحداً قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض فيّ حكمك، عدلٌ فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله حزنه وهمه وأبدل مكانه فرحاً فقيل: يا رسول الله أفلا نتعلمها؟ فقال: بلى، ينبغي لكل من سمعها أن يتعلمها[3].

على كل حال الحديث بهذا السياق لا يخلو من ضعف فيه؛ لجهالة أحد رواته.

وقال العوفي عن ابن عباس - ا - في قوله تعالى: وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ، قال: إلحاد الملحدين أن دعوا اللات في أسماء الله.
وقال ابن جريج عن مجاهد: وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ قال: اشتقوا اللات من الله، والعزى من العزيز.
وقال قتادة: يُلْحِدُونَ: يشركون في أسمائه، وأصل الإلحاد في كلام العرب: العدول عن القصد، والميل والجور والانحراف، ومنه اللحد في القبر لانحرافه إلى جهة القبلة عن سمت الحفر.

الإلحاد في اللغة هو: الميل، كما ذكر الحافظ ابن كثير - رحمه الله -، والمقصود بالإلحاد في أسمائه: العدول بها عن حقائقها ومعانيها وما دلت عليه من الحق الثابت لها، ويكون بالزيادة، كمن يسمي الله بغير ما سمى به نفسه، وهذا فيه إساءة للأدب مع الله ، فبعض طوائف أهل البدع يقولون: إن من أسمائه واجب الوجود، أو العقل الفعال وغيرها من الأسماء التي اخترعوها، ويكون الإلحاد بالنقص كجحود بعض أسماء الله ، أو ما دلت عليه من الأوصاف كالذي يثبت الأسماء ويقول: إنما هي أعلام محضة، كما يقوله طوائف من أهل البدع، وبه قال ابن حزم، فتجهموا، ويكون أيضاً بالتحريف لمعانيها، فيصرفها عن دلالاتها التي دلت عليها وتضمنتها من الأوصاف الكاملة إلى معانٍ أخر، وهذا من أفعال أهل البدع، فعطلوا الله من صفات الكمال التي دلت عليها هذه الأسماء، فأهل التعطيل أهل التحريف، كل هؤلاء داخلون في هذا الإلحاد، وما ذكره طوائف من السلف من تسمية المعبودات الباطلة بها، كالعزى من العزيز إذا كان مشتقاً منه، واللات من الله، ومناة من المنّان، إن كان مشتقاً منه، فمنهم من يقول: هذه اشتقت من أسماء الله، وقيل: إنها لا تعلق لها بأسماء الله ، وهكذا تسميته بما لا يليق، فالنصارى يسمون الله أباًَ، وكذلك أيضاً تشبيه صفات الله  بصفات المخلوقين، كل هذه المعاني داخلة في هذا الإلحاد.

  1. رواه البخاري برقم (2585)، كتاب الشروط، باب ما يجوز من الاشتراط والثّنيا في الإقرار والشروط التي يتعارفها الناس بينهم وإذا قال مائة إلا واحدة أو ثنتين، بدون زيادة: وهو وتر يحب الوتر، فهي من زيادة همام عن أبي هريرة كما عند مسلم برقم (2677)، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها.
  2. رواه أحمد في المسند (6/247)، برقم (3712) بإسناد ضعيف كما قال ذلك الإمام الدارقطني في العلل (5/201)، والحاكم في المستدرك (1/690)، برقم (1877)، كتاب الدعاء و التكبير و التهليل و التسبيح و الذكر، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم إنْ سلم من إرسال عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه فإنه مختلف في سماعه عن أبيه،  وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1/198)، برقم (199).
  3. رواه أحمد في المسند (6/246)، برقم (3712)، وقال محققوه: إسناده مسلسل بالضعفاء، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/171)، برقم (1822).

مرات الإستماع: 0

"قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى [الأعراف: 180] قال رسول الله ﷺ: إن لله تسعة، وتسعين اسمًا، من أحصاها دخل الجنة[1]."

هي حسنى، باعتبار - كما ذكر بعض أهل العلم كالقرطبي - أنها حسنة في الأسماع، والقلوب[2] فهي دالة على توحيد الله وكرمه، وجوده، ورحمته، وإفضاله، وكذلك هي حسنة من كل وجه، في ألفاظها، ليس فيها لفظ ينبو عنه السمع، أسماء الناس، والمخلوقين، والأشياء قد يوجد فيها بعض الأسماء ما يكون في لفظه ليس بذاك، لكن أسماء الله حُسنى في ألفاظها، كما أنها حُسنى أيضًا في معانيها، ودلالاتها، فأسماء المخلوقين قد يوجد الاسم، وليس له معنى، فبعض الأسماء يتسمى بها الناس، وإذا سئلوا ما معنى هذا الاسم؟ لربما قالوا: نبتة في الصحراء، وهو لا يعرف ذلك، فليس لها معنى، ولا حاجة لئن أُمثِّل ببعض الأسماء التي لا معنى لها في كتب اللغة، وفي كلام العرب، إذا سألت أصحابها، أو من سمَّى ولده بذلك لا يعرف معنى الاسم، لكن أعجبه اللفظ، وذائقة الناس تختلف في هذا أيضًا.

وكذلك أيضًا بعض هذه الأسماء تدل على معانٍ سيئة، وبعض ذلك هي أسماء حيوانات مكروهة، كالقرد، ونحوه، ولكن هؤلاء قد يستحسنون شيئًا دون أن يعرفوا ما تحته من المعنى.

لكن أسماء الله هي حُسنى في ألفاظها، وحُسنى في معانيها، وفي مقتضياتها، ولوازمها، هي حُسنى من كل وجه، فهي بالغةٌ في الحسنِ غايته، ليس فيها عيب، ولا نقص بوجهٍ من الوجوه.

"وسبب نزول الآية: أن أبا جهل سمع بعض الصحابة يقرأ، فيذكر الله مرة، والرحمن أخرى، فقال: يزعم محمد أن الإله واحد، وها هو يعبد آلهة كثيرة، فنزلت الآية مبينة أن تلك الأسماء الكثيرة هي لمسمى واحد."

هذه الرواية في سبب النزول: أن أبا جهل... إلى آخره، ليس لها إسناد يُعرَف، إلا ما جاء في كتاب (إن لله تسعة، وتسعين اسمًا) لأبي نُعَيم، ذكر فيه حديث: إن لله تسعةً، وتسعين اسمًا[3] بلفظ أن رسول الله ﷺ قال، وهو ساجد: يا الله، يا رحمن[4] فسمعه أبو جهل، وهو لا يعرف الرحمن، فقال: محمدٌ ينهانا أن نعبد إلهين، وهو يدعوا إلهًا مع الله آخر، يُقال له الرحمن، فأنزل الله تعالى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الإسراء: 110] غير هذه الآية، مع أن إسناده في غاية الضعف، وهو مروي عن ابن عباس - ا - فسبب النزول، وهو أن ذلك بسبب قول أبي جهل، لا يصح، والرواية التي جاءت في خبر أبي جهل هي ما سمعتم، وليس في هذه الآية، مع أنها لا تصح أصلاً - والله أعلم -.

"والحُسنى مصدر وصف به."

يعني كالذكرى.

"أو تأنيث أحسن."

وهذا هو المشهور، والحُسنى جاء في هذا الموضع، وفي غيره اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [طه: 8] وهكذا: هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الحشر: 24].

"وحُسن أسماء الله هي أنها صفات مدح، وتعظيم، وتمجيد."

هو كما ذكرت: أن ذلك في ألفاظها، وفي مضامينها، ومعانيها، ولوازمها، ومقتضياتها، ودلالاتها.

"قوله تعالى: فَادْعُوهُ بِها [الأعراف: 180] أي: سموه بأسمائه، وهذا إباحة لإطلاق الأسماء على الله تعالى."

فادعوه بها قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الإسراء: 110] فَادْعُوهُ بِها ويدخل في الدعاء: دعاء المسألة: يا الله يا رحمن، ونحو ذلك، ويدخل فيه أيضًا دعاء العبادة، وهو أن يُعبَد بمقتضياتها، ونحن دائمًا في الكلام على معاني الأسماء الحسنى، في الدروس المتعلقة بهذا نذكر النوعين: دعاء المسألة، ودعاء العبادة، والدعاء - كما هو معلوم - يقال لهذا، وهذا.

"فأما ما ورد منها في القرآن، أو في الحديث، فيجوز إطلاقه على الله إجماعًا، وأما ما لم يرد، وفيه مدح لا تتعلق به شبهة، فأجاز أبو بكر بن الطيب إطلاقه على الله، ومنع ذلك أبو الحسن الأشعري، وغيره، ورأوا أن أسماء الله موقوفة على ما ورد في القرآن، والحديث."

يقول: "وهذا إباحة لإطلاق الأسماء على الله تعالى" هذا مقيد بما ورد في الكتاب، والسنة، فإن أسماء الله - تبارك، وتعالى - توقيفية، وصفاته - تبارك، وتعالى - مشتقةٌ من الأسماء؛ لأن الراجح أن جميع أسماء الله مشتقة، وليس فيها اسمٌ جامد، والمشتقة أبلغ من الجامدة؛ لأنها تدل على أوصاف، ومن ثم فإن جميع الأسماء مشتقة، أعني أسماء الله - تبارك، وتعالى - ولا يُسمى إلا بما سمى به نفسه، أو سماه به رسوله ﷺ ولا يُشتق له من أوصافه أسماء، فالأسماء توقيفية، وإنما تشتق الصفات من الأسماء.

يقول: "وأما ما لم يرد، وفيه مدح لا تتعلق به شبهة، فأجاز أبو بكر بن الطيب إطلاقه على الله" يعني الباقلاني، وهو من علماء الأشاعرة، ومن أصحاب المدارس المعروفة في المذهب الأشعري، وما ذكره غير صحيح، فإن ذلك من إساءة الأدب مع الله أن يُسمَّى بما لم يُسمِّ به نفسه، ولو سماك أحد بغير الاسم الذي سمَّاك به أبوك، فإنك لا تقبل بهذا، فالله أعظم، وأجل، وذكر منع أبي الحسن الأشعري، وأن أسماء الله توقيفية، وهذا قول أهل السنة، والجماعة.

"وقد ورد في كتاب الترمذي عدّتها أعني تعيين التسعة، والتسعين[5] واختلف الـمُحدِّثون هل تلك الأسماء المعدودة فيه مرفوعة إلى النبي ﷺ أو موقوفة على أبي هريرة؟ وإنما الذي ورد في الصحيح كونها تسعة، وتسعين من غير تعيين."

إن لله تسعة، وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة[6] يعني لها هذه المزية، فالكلام متصل أن من أسماء الله  هذه الأسماء التسع، والتسعين، التي لها مزية، وهو أن من أحصاها دخل الجنة، وإلا: أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو علمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك[7] فأسماؤه لا يحصيها إلا هو، وهذه الزيادة في سرد الأسماء الحسنى تحدثت عنها، وعن طرقها، والكلام عليها، في مقدمات الأسماء الحسنى، في أول المجالس المتعلقة بذلك، وهي ليست من الحديث، وإن جاءت في بعض الروايات، كما عند الترمذي[8] والحاكم[9] لكنها كما ذكر الحافظ ابن كثير - رحمه الله - وغيره أنها مدرجة في الحديث[10] وذكر ابن حزم - رحمه الله - أن أحاديثها مضطربة[11] وذكر الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في التلخيص أنه جمع من القرآن تسعة، وتسعين اسمًا، ثم سردها[12] والأسماء التي في الكتاب، والسنة أكثر من هذا، ونقل أبو بكر بن العربي عن بعض أهل العلم أنه جمع من الكتاب، والسنة ألف اسم[13] وهي لا تبلغ هذا العدد، وأذكر أني حاولت أن استقرأ جملة من الكتب المصنفة في الأسماء الحسنى، ووضعت لها جدولاً يعني الأسماء سردًا، ثم في الأعلى أسماء المؤلفين، ثم أمام أسماء المؤلفين إشارة إلى من ذكره، يعني بمجرد نظرة تعرف أن هؤلاء هم الذين ذكروا هذا الاسم، والأسماء التي توجد في هذه الكتب حتى عند الـمُكثِرين جدًا، يعني ربما تزيد على الأربعمائة بشيء، وكثير من هذه الأسماء لا يثبت.

وذكرت هناك في المقدمات أيضًا أن اختلاف العلماء في ضابط ما يُطلَق على الله من الأسماء، فقلنا: توقيفية، لكن هل يكون ذلك مقتصرًا على ما جاء مثلاً بالتعريف، والإطلاق: العزيز، الحكيم، الرحمن، الرحيم، القدوس، السلام... إلى آخره، وهل يدخل في ذلك ما جاء بصيغة التنكير: محيط، واسع، ونحو ذلك، هذا فيه خلاف بين أهل العلم، وكذلك ما جاء بالإضافة: ذو الجلال، والإكرام، ونحو هذا، هذا فيه خلاف، وهذا باختلاف الضوابط التي وضعوها، فيبقى المتفق عليه هو ما جاء بالتعريف، والإطلاق، يعني من غير إضافة: العزيز، الحكيم... إلى آخره.

وهذه الموجود منها - فيما أعلم - في الكتاب، والسنة قد لا تبلغ المائة، بهذا القيد الذي هو أضيق هذه القيود، هذا باتفاق، يعني الكل يتفق على أن هذه من الأسماء، ويبقى ما ذُكِرَ بصيغة التنكير، فهذه أكثر، يعني مع الأولى، وكذلك ما جاء بصيغة الإضافة. 

ونجد بعض أهل العلم من أهل السنة أمثال: شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -[14] والحافظ ابن القيم، ومن المعاصرين الشيخ عبد الرحمن بن السعدي[15] وأمثال هؤلاء يُدخِلون في جملتها هذه التي جاءت بصيغة التنكير، وكذلك ما جاء بالإضافة.

والخلاف في هذا معروف، لكن هذه المبالغة أنه جمع بعضهم من الكتاب، والسنة نحو ألف اسم، هذا كثير، فالوارد في الكتاب، والسنة لا يبلغ نصف هذا العدد، بل لا يبلغ ربع هذا العدد - والله أعلم -.

وشيخ الإسلام - رحمه الله - ذكر اتفاق أهل المعرفة بالحديث على أن هاتين الروايتين في سرد الأسماء الحسنى، ليستا من كلام النبي ﷺ وإنما من كلام بعض السلف؛ لأن بينها شيء من المغايرة في الأسماء، فتجد في الرواية بعض الأسماء لم تُذكَر في الرواية الأخرى، والعكس.

ويقول: إن الوليد بن مسلم، وهو أحد رواة الحديث، ذكرها عن بعض شيوخه الشاميين[16] وذكر - شيخ الإسلام - كلامًا يمكن أن يُرَاجَع في مجموع الفتاوى، في المجلد الثامن، والمجلد الثاني، والعشرين، الثامن صفحة ستة، وتسعين، وفي الثامن صفحة أربعمائة، واثنين، وثمانين.

"قوله تعالى: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ [الأعراف: 180] قيل: معنى ذروا: اتركوهم، لا تحاجوهم، ولا تتعرضوا لهم، فالآية على هذا منسوخة بالقتال، وقيل: معنى ذروا: الوعيد، والتهديد، كقوله: وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ [المزمل: 11] وهو الأظهر؛ لما بعده."

وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ يعني يجورون فيها عن الحق، ويعدلون، وسيأتي ما ذكره المؤلف - رحمه الله - وما ذُكر من أن الآية منسوخة بالقتال على هذا القول الذي ذكره، يعني: اتركوهم، لا تحاجوهم، ولا تتعرضوا لهم، هذا غير صحيح؛ لأن النسخ لا يثبت بالاحتمال، وإنما هذا فيه تهديد، كقوله تعالى: وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ وهذا الذي رجَّحه المؤلف - رحمه الله -.

"وإلحادهم في أسماء الله هو ما قال أبو جهل، فنزلت الآية بسببه."

وهي الرواية السابقة، وقلنا: بأنه لا تصح، وأصلاً الآية ليست المذكورة في الرواية تلك ليست هي آية الأعراف.

"وقيل: تسميته بما لا يليق به، وقيل: تسمية الأصنام باسمه، كاشتقاقهم اللات من الله، والعُزى من العزيز."

كل هذا داخل في الإلحاد في أسمائه، يعني تسميته بما لا يليق، وتسمية الأصنام بأسمائه، هذا كله داخل فيه.

وذكر الحافظ ابن القيم - رحمه الله - حقيقة الإلحاد في أسماء الله وأن ذلك بمعنى العدول بها عن الصواب فيها، وإدخال ما ليس من معانيها فيها، وإخراج حقائق معانيها عنها[17] فالإلحاد إما بجحدها، وإنكارها، يعني كما فعلت الجهمية الذين لم يُثبتوا الأسماء، والصفات.

وإما بجحد معانيها، وتعطيلها، يعني هذا كما فعل المعتزلة بنفي الصفات، ووقع في ذلك طوائف من المتكلمين أيضًا في نفي بعضها، كالأشاعرة، والماتريدية؛ وذلك إما بتحريفها أيضًا عن الصواب، وإخراجها عن الحق بالتأويلات الباطلة، وهذا الذي فعله كثير من المتكلمين، وإما بجعلها أسماء لهذه المخلوقات المصنوعات، يعني تسمية الأصنام بها مثلاً، أو اشتقاق أسماء للأصنام من أسماء الله - تبارك، وتعالى -.

والشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - ذكر جملة من هذه الصور، في الإلحاد في أسماء الله وأن ذلك يرجع إلى الميل بها عما يجب اعتقاده فيها[18] سواء كان ذلك بإنكار هذه الأسماء، أو ما دلَّت عليه من الصفات، أو بتسمية الله بما لم يُسم به نفسه، أو تسمية المخلوقين، وتسمية الأصنام، واشتقاق لها أسماء من أسماء الله إلى غير ذلك.

  1.  أخرجه البخاري في كتاب الشروط، باب ما يجوز من الاشتراط، والثنيا في الإقرار، والشروط التي يتعارفها الناس بينهم، وإذا قال: مائة إلا واحدة، أو ثنتين برقم: (2736) ومسلم في الذكر، والدعاء، والتوبة، باب في أسماء الله تعالى، وفضل من أحصاها، برقم: (2677).
  2.  تفسير القرطبي (7/326).
  3.  سبق تخريجه.
  4.  حديث إن لله تسعة، وتسعين اسما لأبي نعيم الأصبهاني (ص: 162 - 90). وانظر: تفسير السمعاني (3/93) وتفسير النسفي = مدارك التنزيل، وحقائق التأويل (2/283) وتفسير البغوي، إحياء التراث (3/22).
  5.  أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب الدعوات برقم: (3507) وضعفه الألباني.
  6.  سبق تخريجه.
  7.  أخرجه أحمد ط الرسالة برقم: (3712) وقال محققو المسند: "إسناده ضعيف".
  8.  سبق تخريجه.
  9.  المستدرك على الصحيحين للحاكم برقم: (42).
  10.  تفسير ابن كثير ت سلامة (3/515).
  11.  المحلى بالآثار (6/282).
  12.  التلخيص الحبير ط العلمية (4/424).
  13.  أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية (3/580).
  14.  المستدرك على مجموع الفتاوى (1/43).
  15.  تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (ص: 172).
  16.  دقائق التفسير (2/473).
  17.  بدائع الفوائد (1/169).
  18. القواعد المثلى في صفات الله، وأسمائه الحسنى (ص: 16).