عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ : إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة وهو وتر يحب الوتر[1]. أخرجاه في الصحيحين، وأخرجه الترمذي في جامعه مثله.
قوله: وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى الحسنى أي: البالغة في الحسن غايته، فهي حسنى من حيث الألفاظ، ليس فيها اسم يستقبح عند سماعه وإن كان معناه حسناً، وهي أيضاً في غاية الحسن من ناحية المعاني؛ لأن كل أسماء الله مشتقة، فهي تتضمن أوصافاً من أوصاف الكمال، منها ما يتضمن صفة ومنها ما يجمع جميع صفات الكمال، فهي حسنى من هذه الحيثية، وهي كثيرة جداً، وقد ذكر بعض أهل العلم كابن العربي أن من العلماء من جمع من الكتاب والسنة ألف اسم، وهي ربما لا تبلغ هذا؛ لأن من العلماء من يجمع طائفة كثيرة من الأوصاف ويجعلها من جملة الأسماء، ومسألة الأسماء وتحديد الضابط الذي يضبطها بحيث يميزها عما هو صفة أو فعل لله ، أو نحو ذلك، قد يصعب أن يؤتى بضابط دقيق يميزها؛ ولذلك العلماء - رحمهم الله - يختلفون في بعض الأسماء إذا حاولوا جمع الأسماء الواردة مثلاً في القرآن والسنة، فتجدهم يتفاوتون، منهم من يذكر بعض الأسماء، ومنهم من لا يذكرها، والله تعالى أعلم.
وقد جمع الحافظ ابن حجر - رحمه الله - من القرآن تسعة وتسعين اسماً، من أجل أن يوافق قول النبي ﷺ : إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة، وأما الحديث الوارد في هذا عند الترمذي والحاكم وغيرهما، فإن سرد الأسماء لا يصح؛ ولهذا قال ابن حزم بأنها مضطربة، وضعفها المحققون كالحافظ ابن كثير - رحمه الله - والحافظ ابن حجر - أي أحاديث سرد الأسماء - ، فهي روايات مدرجة، أما حديث إن لله تسعة وتسعين اسماً فإنه حديث ثابت في الصحيحين وغيرهما، ومعنى من أحصاها دخل الجنة أي: أن أسماء الله كثيرة جداً، من هذه الأسماء هذا القدر الذي هو تسعة وتسعون له مزية، وإلا فأسماء الله لا تحصى؛ لأنه ورد في الحديث: أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو علمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك[2]، فأخبرنا الله عن جملة كثيرة من أسمائه في الكتاب، وكذلك أخبرنا النبي ﷺ، لكن هذا الحديث ليس فيه الحصر، ليس فيه ما يدل على أن أسماء الله هي هذا العدد فقط إطلاقاً، ومعنى أحصاها يعني: بالعد عرفها وفهم معانيها، وما دلت عليه من أوصاف الكمال، وتعبد الله بمقتضاها، فهذا كله داخل في الإحصاء.
وقوله: فَادْعُوهُ بِهَا يدخل فيه دعاء العبادة ودعاء المسألة، دعاء المسألة أن تدعو بكل اسم بما يناسب الحال، فتقول: يا رحمن ارحمني، يا غفور اغفر لي، يا تواب تب عليّ، تب علي يا رب إنك أنت التواب الرحيم، هذا هو المناسب، وأكثر دعاء الأنبياء في القرآن رَبَّنَا بذكر الرب - تبارك وتعالى -، وقد ذكر الشاطبي في الموافقات أن ذلك يرجع إلى أن إجابة دعاء الداعين وإعطاء السائلين، كل هذا من معاني الربوبية، فيقال: يا رب يا رب، فالرب هو المتصرف المدبر الرازق المعطي، ولا يقال: يا منتقم اغفر لي؛ لأنه غير مناسب، وكذلك دعاء العبادة، أن يتعبد الإنسان لله بمقتضاها، فإذا عرف أن الله - تبارك وتعالى - هو القوي المتين فإنه سيتوكل عليه، إذا عرف أن الله - تبارك وتعالى - هو الغفور الرحيم فإنه لا يقنط ولا ييأس من رحمته، وإنما يلجأ إليه ويتوب إليه وهكذا، فيعبد ربه بمقتضى هذه الأسماء، فيدخل فيه دعاء العبادة ودعاء المسألة.
على كل حال الحديث بهذا السياق لا يخلو من ضعف فيه؛ لجهالة أحد رواته.
وقال ابن جريج عن مجاهد: وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ قال: اشتقوا اللات من الله، والعزى من العزيز.
وقال قتادة: يُلْحِدُونَ: يشركون في أسمائه، وأصل الإلحاد في كلام العرب: العدول عن القصد، والميل والجور والانحراف، ومنه اللحد في القبر لانحرافه إلى جهة القبلة عن سمت الحفر.
الإلحاد في اللغة هو: الميل، كما ذكر الحافظ ابن كثير - رحمه الله -، والمقصود بالإلحاد في أسمائه: العدول بها عن حقائقها ومعانيها وما دلت عليه من الحق الثابت لها، ويكون بالزيادة، كمن يسمي الله بغير ما سمى به نفسه، وهذا فيه إساءة للأدب مع الله ، فبعض طوائف أهل البدع يقولون: إن من أسمائه واجب الوجود، أو العقل الفعال وغيرها من الأسماء التي اخترعوها، ويكون الإلحاد بالنقص كجحود بعض أسماء الله ، أو ما دلت عليه من الأوصاف كالذي يثبت الأسماء ويقول: إنما هي أعلام محضة، كما يقوله طوائف من أهل البدع، وبه قال ابن حزم، فتجهموا، ويكون أيضاً بالتحريف لمعانيها، فيصرفها عن دلالاتها التي دلت عليها وتضمنتها من الأوصاف الكاملة إلى معانٍ أخر، وهذا من أفعال أهل البدع، فعطلوا الله من صفات الكمال التي دلت عليها هذه الأسماء، فأهل التعطيل أهل التحريف، كل هؤلاء داخلون في هذا الإلحاد، وما ذكره طوائف من السلف من تسمية المعبودات الباطلة بها، كالعزى من العزيز إذا كان مشتقاً منه، واللات من الله، ومناة من المنّان، إن كان مشتقاً منه، فمنهم من يقول: هذه اشتقت من أسماء الله، وقيل: إنها لا تعلق لها بأسماء الله ، وهكذا تسميته بما لا يليق، فالنصارى يسمون الله أباًَ، وكذلك أيضاً تشبيه صفات الله بصفات المخلوقين، كل هذه المعاني داخلة في هذا الإلحاد.
- رواه البخاري برقم (2585)، كتاب الشروط، باب ما يجوز من الاشتراط والثّنيا في الإقرار والشروط التي يتعارفها الناس بينهم وإذا قال مائة إلا واحدة أو ثنتين، بدون زيادة: وهو وتر يحب الوتر، فهي من زيادة همام عن أبي هريرة كما عند مسلم برقم (2677)، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها.
- رواه أحمد في المسند (6/247)، برقم (3712) بإسناد ضعيف كما قال ذلك الإمام الدارقطني في العلل (5/201)، والحاكم في المستدرك (1/690)، برقم (1877)، كتاب الدعاء و التكبير و التهليل و التسبيح و الذكر، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم إنْ سلم من إرسال عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه فإنه مختلف في سماعه عن أبيه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1/198)، برقم (199).
- رواه أحمد في المسند (6/246)، برقم (3712)، وقال محققوه: إسناده مسلسل بالضعفاء، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/171)، برقم (1822).