الثلاثاء 01 / ذو القعدة / 1446 - 29 / أبريل 2025
وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِـَٔايَةٍ قَالُوا۟ لَوْلَا ٱجْتَبَيْتَهَا ۚ قُلْ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يُوحَىٰٓ إِلَىَّ مِن رَّبِّى ۚ هَٰذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [سورة الأعراف:203].
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - ا - في قوله تعالى: قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا يقول: لولا تلقيتها، وقال مرة أخرى: لولا أحدثتها فأنشأتها، وقال ابن جرير عن عبد الله بن كثير عن مجاهد في قوله: وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قال: لولا اقتضيتها، قالوا: تخرجها عن نفسك، وكذا قال قتادة والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم واختاره ابن جرير.


قوله: لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا أي: اصطفيتها واخترتها وأنشأتها من عندك، وهذه المعاني كلها متقاربة، فقالوا ذلك لأنهم يرون أنه يختلق ذلك ويفتريه، وتحتمل الآيات معنيين: يحتمل أن يكون المراد بها الآيات المتلوة التي تخبرهم عما سألوا عنه مثلاً لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا واختلقتها، ويحتمل أن يكون المقصود به: الآيات التي يقترحونها على النبي ﷺ ، كأن يحول الصفا إلى ذهب، أو يزيح عنهم جبال مكة، أو ينزل عليهم كتاباً من السماء يقرءونه، وما أشبه هذا من الأشياء التي اقترحوها.

ومعنى قوله تعالى: وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ أي: معجزة وخارق، كقوله تعالى: إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ [سورة الشعراء:4].


قال بعض أهل العلم في قوله: لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا هذا في الآيات المتلوة، لما كان الوحي يتأخر يقولون: لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا، أي: لولا اخترتها، لولا اختلقتها، وكانوا يسألون النبي ﷺ عن أشياء فينتظر الوحي، فيقولون ذلك استهزاء وسخرية.
 

يقولون للرسول ﷺ: ألا تجهد نفسك في طلب الآيات من الله حتى نراها ونؤمن بها؟، قال الله تعالى له: قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي أي: أنا لا أتقدم إليه تعالى في شيء، وإنما أتبع ما أمرني به، فأمتثل ما يوحيه إليّ، فإن بعث آية قبلتها، وإن منعها لم أسأله ابتداء إياها إلا أن يأذن لي في ذلك، فإنه حكيم عليم، ثم أرشدهم إلى أن هذا القرآن هو أعظم المعجزات وأبين الدلالات، وأصدق الحجج والبينات فقال: هَذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.

 

مرات الإستماع: 0

"وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها [الأعراف: 203] الضمير في لم تأتهم للكفار، ولولا هنا عرض، وفي معنى اجتبيتها قولان:

أحدهما: اخترعتها من قبل نفسك، فالآية على هذا من القرآن، وكان النبي ﷺ يتأخر عنه الوحي أحيانا، فيقول الكفار: هلا جئت بقرآن من قولك."

جاء عن ابن عباس - ا -: "لولا تلقيتها"[1] يعني الآية، وفي رواية: "لولا أحدثتها، فأنشأتها"[2].

وجاء عن مجاهد: "اقتضيتها قالوا: تخرجها عن نفسك"[3] وجاء نحو هذا عن قتادة، والسدي، وابن زيد[4] واختاره ابن جرير[5] أن هذا في الآية من القرآن، يعني: لولا اختلقتها، وأتيت بها من قبلك قبل نفسك يعني، وهذا كقوله - تبارك، وتعالى -: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ [يونس: 15].

"والآخر معناه: طلبتها من الله، وتخيرتها عليه، فالآية على هذا معجزة، أي: يقولون: اطلب المعجزة من الله." 

يعني ليست الآية المتلوة، وهذا اختاره ابن كثير - رحمه الله -[6] باعتبار أنهم كانوا يقترحون على النبي ﷺ الآيات، يعني المعجزات، يعني هم كأنهم يقولون على هذا المعنى الثاني ألا تجهد نفسك بطلب هذه الآيات من أجل أن نؤمن.

"قوله تعالى: قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي [الأعراف: 203] معناه: لا أخترع القرآن على القول الأول، ولا أطلب آية من الله على القول الثاني.

قوله تعالى: هَذَا بَصَائِرُ [الأعراف: 203] أي: علامات هدى، والإشارة إلى القرآن."

يعني حجج ظاهرة، وبينة.

  1.  تفسير الطبري (10/655) وتفسير ابن كثير (3/535).
  2.  المصدر السابق.
  3.  تفسير ابن كثير (3/535).
  4.  المصدر السابق.
  5.  المصدر السابق (3/535).
  6.  المصدر السابق (4/253).