قوله: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ السين والتاء تدل على فرق بين السماع والاستماع، فالتاء تدل على طلب، بمعنى أن الإنسان يقصد الاستماع، والإنصات هو السكوت للاستماع، فلا ينشغل عنه بشيء، والذي عليه عامة أهل العلم من السلف فمن بعدهم أن هذه الآية في الصلاة، إذا قرأ القارئ في الصلاة؛ لأن الإنسان مأمور بهذا، لحديث عبادة بن الصامت قال: كنا خلف رسول الله ﷺ في صلاة الفجر فقرأ رسول الله ﷺ فثقلت عليه القراءة فلما فرغ قال: لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم يا رسول الله، قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها[1]، وعن أبي قتادة أن رسول الله ﷺ قال: تقرءون خلفي؟، قالوا: نعم، قال: فلا تفعلوا إلا بأم الكتاب[2] فالشاهد: أن الإنسان في الصلاة مأمور بالإنصات، ومن أهل العلم من قال: إن ذلك في الصلاة وفي الخطبة، باعتبار أن الإنسان مأمور أن ينصت في الخطبة، وإذا قال لصاحبه أنصت فقد لغا، ومن مس الحصى فقد لغا، فلا يشتغل عن الخطبة بشيء، وابن جرير - رحمه الله - حمل الآية على الأمرين، الإنصات في الصلاة، وفي حال الخطبة؛ لأن ذلك هو الذي أُمرنا به، في حال الصلاة وفي حال الخطبة، ولكن الأقرب أن الآية تحمل على أعم معانيها، والله ما حدد شيئاً لا في الصلاة ولا في غير الصلاة، قال: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ فهذا الأمر معلق على شرط، فيحمل على أعم معانيه، فكلما وجد الشرط، وجد المشروط، وهذا من الأدب مع القرآن أن لا يشتغل الإنسان عنه بغيره إذا سمعه، فيستمع له وينصت، - والله تعالى أعلم - .
- رواه أبو داود برقم (823)، في كتاب الصلاة، باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح (1/186)، برقم (854).
- رواه أحمد في المسند (37/ 309)، برقم (22625)، وقال محققوه: صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه بين سليمان التيمي - وهو ابن طرخان - وعبد الله بن أبي قتادة.