الأربعاء 02 / ذو القعدة / 1446 - 30 / أبريل 2025
وَإِذَا قُرِئَ ٱلْقُرْءَانُ فَٱسْتَمِعُوا۟ لَهُۥ وَأَنصِتُوا۟ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [سورة الأعراف:204]، لما ذكر تعالى أن القرآن بصائر للناس وهدى ورحمة أمر تعالى بالإنصات عند تلاوته إعظاماً له واحتراماً، لا كما كان يعتمده كفار قريش المشركون في قولهم: لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ [سورة فصلت:26] الآية، قال ابن جرير: قال ابن مسعود  : كنا يسلم بعضنا على بعض في الصلاة، فجاء القرآن: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [سورة الأعراف:204].


قوله: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ السين والتاء تدل على فرق بين السماع والاستماع، فالتاء تدل على طلب، بمعنى أن الإنسان يقصد الاستماع، والإنصات هو السكوت للاستماع، فلا ينشغل عنه بشيء، والذي عليه عامة أهل العلم من السلف فمن بعدهم أن هذه الآية في الصلاة، إذا قرأ القارئ في الصلاة؛ لأن الإنسان مأمور بهذا، لحديث عبادة بن الصامت قال: كنا خلف رسول الله ﷺ في صلاة الفجر فقرأ رسول الله ﷺ فثقلت عليه القراءة فلما فرغ قال: لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم يا رسول الله، قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها[1]، وعن أبي قتادة أن رسول الله ﷺ قال: تقرءون خلفي؟، قالوا: نعم، قال: فلا تفعلوا إلا بأم الكتاب[2] فالشاهد: أن الإنسان في الصلاة مأمور بالإنصات، ومن أهل العلم من قال: إن ذلك في الصلاة وفي الخطبة، باعتبار أن الإنسان مأمور أن ينصت في الخطبة، وإذا قال لصاحبه أنصت فقد لغا، ومن مس الحصى فقد لغا، فلا يشتغل عن الخطبة بشيء، وابن جرير - رحمه الله - حمل الآية على الأمرين، الإنصات في الصلاة، وفي حال الخطبة؛ لأن ذلك هو الذي أُمرنا به، في حال الصلاة وفي حال الخطبة، ولكن الأقرب أن الآية تحمل على أعم معانيها، والله ما حدد شيئاً لا في الصلاة ولا في غير الصلاة، قال: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ فهذا الأمر معلق على شرط، فيحمل على أعم معانيه، فكلما وجد الشرط، وجد المشروط، وهذا من الأدب مع القرآن أن لا يشتغل الإنسان عنه بغيره إذا سمعه، فيستمع له وينصت، - والله تعالى أعلم - .

  1. رواه أبو داود برقم (823)، في كتاب الصلاة، باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح (1/186)، برقم (854).
  2. رواه أحمد في المسند (37/ 309)، برقم (22625)، وقال محققوه: صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه بين سليمان التيمي - وهو ابن طرخان - وعبد الله بن أبي قتادة. 

مرات الإستماع: 0

"وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أن الإنصات المأمور به هو لقراءة الإمام في الصلاة."

وهذا نقل عليه الإمام أحمد - رحمه الله - الإجماع أن ذلك في الصلاة[1] وأن الآية نازلة في الصلاة.

"والثاني: أنه الإنصات للخطبة."

الإنصات للخطبة، وهذا المعنى صحيح، وقد اختار ابن جرير - رحمه الله -[2] وشيخ الإسلام ابن تيمية[3] أن الآية في ذلك كله في الصلاة، وفي الخطبة.

"والثالث: أنه الإنصات لقراءة القرآن على الإطلاق"

وهذا صرح به الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله -[4].

"وهو الراجح لوجهين:

أحدهما: أن اللفظ عام، ولا دليل على تخصيصه.

والثاني: أن الآية مكية، والخطبة إنما شرعت بالمدينة."

هذا الذي يظهر - والله أعلم - أن الآية عامة، ويدخل في ذلك الصلاة، واحتج به من قال بأنه لا يقرأ الفاتحة مثلاً في القراءة الجهرية لأنه مأمور بالإنصات، ومثل هذا لا يتأتى فيه الاحتياط، فهو إذا قرأ فهو آثم عند من يقول إنه لا يقرأ لأنه مخالف لقوله: فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا [الأعراف: 204] ومن قال: بأنه يقرأ، وهي ركن بإطلاق، قالوا: بأن الصلاة لا تصح إلا بها، فيقرأ في سكتات الإمام، والمقصود أنه لا يترك الفاتحة.

"قوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ قال بعضهم: الرحمة أقرب شيء إلى مستمع القرآن لهذه الآية." 
  1. انظر: تفسير ابن كثير (3/537).
  2.  تفسير الطبري (10/667).
  3.  مجموع الفتاوى (23/269).
  4.  تفسير السعدي (ص: 314).