الأربعاء 23 / ذو القعدة / 1446 - 21 / مايو 2025
فَدَلَّىٰهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ ۖ وَنَادَىٰهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ ۝ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [سورة الأعراف:22-23].

قوله: فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ أصل التدلية هي إهباط الشيء من أعلى إلى أسفل، تقول: دلّى دلوه في البئر، وقال تعالى: وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ [سورة يوسف:19] أي: أنزله في البئر، وتقول: تدلى الرجل من الحصن يعني هبط، وقوله: فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ من أهل العلم من يقول: أهبطهما عن تلك المنزلة أو المرتبة إلى معصية الله وهو كقول من قال: أي أوقعهما في الهلاك، أو خدعهما، أو جرأهما، والمعنى أنه صور لهما أمراً لا حقيقة له وزينه حتى أوقعهما فيما أوقعهما فيه.
قوله: فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا [سورة الأعراف:22] أي: ظهرت سوءاتهما.
والسوءات هي العورات، وسميت العورة سوءة؛ لأنه يسوء صاحبها ظهورها وانكشافها.
عن أبي بن كعب قال: كان آدم رجلاً طوالاً كأنه نخلة سحوق، كثير شعر الرأس.
النخلة السحوق هي الطويلة جداً.
فلما وقع فيما وقع به من الخطيئة بدت له عورته عند ذلك، وكان لا يراها، فانطلق هارباً في الجنة، فتعلقت برأسه شجرة من شجر الجنة فقال لها: أرسليني، فقالت: إني غير مرسلتك، فناداه ربه يا آدم أمنّي تفر؟ قال: يا رب إني استحييتك، فقد رواه ابن جرير وابن مردويه من طرق عن الحسن عن أبي بن كعب عن النبي ﷺ مرفوعاً، والموقوف أصح إسناداً.

إذا صح إسناد الموقوف فمثل هذا يكون له حكم الرفع؛ لأن هذا لا يقال من جهة الرأي، وأبي بن كعب  لا يعرف بالأخذ عن بني إسرائيل.
وعن ابن عباس - ا - : وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ [سورة الأعراف:22] قال: "ورق التين" [صحيح إليه] وقال مجاهد: جعلا يخصفان عليهما من ورق الجنة، قال: كهيئة الثوب.

قوله: وَطَفِقَا الفعل "طفق" من أفعال المقاربة، ومعنى "طفقا" يعني شرعا، تقول: طفق فلان يفعل كذا يعني شرع فيه.
قوله: يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ [سورة الأعراف:22] يعني يقطعان الشجر ويلزقانه على العورات، تقول: خصفت النعل إذا وضعت فيه طبقات من الجلد فوق بعض من أجل أن يكون سميكاً يحتمل ما يمر عليه الماشي، والمقصود أن آدم وحواء صارا يأخذان من ورق الجنة ويلزقانه على عورتهما لسترها بدلاً من اللباس الذي زال عنهما، وهذا يدل على أن الحياء قضية فطرية بدليل أنهما قاما مباشرة بستر العورة؛ فكشف العورة أمر لا يقبله إنسان ذو فطرة حية بدليل أن ذهول المعصية والمصيبة التي وقعت لهما لم تؤثر على انشغالهما بستر العورات مع أنه لا أحد عند آدم غير حواء، فانشغل بهذا، فينبغي أن يتأمل الناس في ذلك فيدعوهم إلى ملازمة الستر والحشمة واللباس اللائق بدلاً من هذا التعري وهذه اللحوم التي تتكشف في أدنى مناسبة وبدون مناسبة، والله المستعان
وقال وهب بن منبه في قوله: يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا [سورة الأعراف:27] قال: "كان لباس آدم وحواء نوراً على فروجهما لا يرى هذا عورة هذه، ولا هذه عروة هذا، فلما أكلا من الشجرة بدت لهما سوءاتهما" [رواه ابن جرير بسند صحيح إليه].

قول وهب بن منبه: "كان لباس آدم وحواء نوراً على فروجهما.." هذا لا دليل عليه، ولهذا فإن ابن جرير - رحمه الله - لما ذكر هذه الأقوال لم يحدد شيئاً منها بل قال: هذا كله لا دليل عليه، فقد يكون هذا أو هذا أو هذا، والله تعالى أعلم.
ثم إنه لا فائدة من معرفة ذلك هل كان نوراً أو حريراً أو غيره، لكن المهم أن نعرف أن الستر أمر فطري، وأنه مما ينبغي على الإنسان أن يفعله، وأن التعري من عمل الشيطان وتزيينه الذي يدعو إليه.
إن معاقل إبليس في هذه الدنيا كثيرة ومن معاقله وأوكاره دور الأزياء العالمية التي يصممون فيها الأزياء ويصيحون في هذا الخلق صيحة في المغرب يتداعى لها الناس في أقاصي المشرق أن قد ظهرت ألبسة في غاية العري، والله المستعان.

مرات الإستماع: 0

"قوله تعالى: فَدَلَّاهُمَا أي: أنزلهما إلى الأكل من الشجرة."

فَدَلَّاهُمَا أي: أنزلهما إلى الأكل من الشجرة، بعضهم يقول: أهبطهما من المرتبة العالية إلى الأكل من الشجرة؛ لأن التدلية تدل على النزول، يعني: خدعهما، دلاهما، أو أوقعهما في الهلاك، أو جرأهما على المعصية، ويقال لكل من ألقى غيره في بلية دلاه في كذا، يقولون هو مأخوذ من تدلية العطشان في البئر، ليروى من مائها، فلا يجد فيها ماء، فيكون مدلاً بغرور، نزل، ولم يجد شيئًا، أو أُنزل في البئر، فوضعت التدلية موضع الأطماع فيما لا يجدي نفعًا على هذا المسكين الذي دلي في البئر، ولم يجد ماء، وهو عطشان، فأصل المادة يدل على مقاربة الشيء، ومداناته بسهولة، ورفق، لكنها تدل أيضًا في أصلها على إرسال شيء من أعلى إلى أسفل.

"قوله تعالى: بِغُرُورٍ أي: غرّهما بحلفه لهما؛ لأنهما ظنّا أنه لا يحلف كاذبًا."

يقال: غره إذا أصاب غرته يعني غفلته في اليقظة، ونال منه ما يريد، فأصل المادة يدل على نقصان فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ غرهما.

"قوله تعالى: بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا أي: زال عنهما اللباس، وظهرت عوراتهما، وكان لا يريانها من أنفسهما، ولا أحدهما من الآخر، وقيل: كان لباسهما نورًا يحول بينهما، وبين النظر."

قيل كان لباسهما يحول بينهما، وبين النظر، نورًا بالنصب، كان لباسهما نورًا خبر كان، وهذا لا دليل عليه، يعني: أن اللباس كان نورا يحتاج إلى دليل - والله أعلم - أخبر الله عن لباس أهل الجنة السندس، والاستبرق ثياب خضر.

"قوله تعالى: يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ أي: يصلان بعضه ببعض ليستترا بها."

يعني: يخصفان يرقعان، ويلصقان، أو يجعلان ورقة على ورقة، فأصله اجتماع شيء إلى شيء، هذا الخصف، خصف النعل يجعل طبقة فوق طبقة هذا الخصف، فيلصقان شجر الجنة بعضه على بعض ليستترا به، وهذا يدل على أن ستر العورات أنه أمر فطري، وأن التكشف خلاف الفطرة، وأنه مما يدعو إليه الشيطان.

"قوله تعالى: وَنادَاهُمَا رَبُّهُمَا يحتمل أن يكون هذا النداء بواسطة ملك، أو بغير واسطة."

يقول: "يحتمل أن يكون هذا النداء بواسطة ملك، أو بغير، واسطة" والنداء كما هو معروف، صوت رفيع، وبكلام يسمع حروف، وصوت، وهنا أضافه إلى الله تعالى، فالأصل أن ذلك من الله، صدر عنه، ولا يقال بأن ذلك بواسطة ملك؛ لأنه بخلاف الظاهر، فلا يصار إليه إلا بدليل وَنادَاهُمَا رَبُّهُمَا فظاهر الآية أن الله هو الذي ناداهما.