قوله: فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ أصل التدلية هي إهباط الشيء من أعلى إلى أسفل، تقول: دلّى دلوه في البئر، وقال تعالى: وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ [سورة يوسف:19] أي: أنزله في البئر، وتقول: تدلى الرجل من الحصن يعني هبط، وقوله: فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ من أهل العلم من يقول: أهبطهما عن تلك المنزلة أو المرتبة إلى معصية الله وهو كقول من قال: أي أوقعهما في الهلاك، أو خدعهما، أو جرأهما، والمعنى أنه صور لهما أمراً لا حقيقة له وزينه حتى أوقعهما فيما أوقعهما فيه.
قوله: فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا [سورة الأعراف:22] أي: ظهرت سوءاتهما.
والسوءات هي العورات، وسميت العورة سوءة؛ لأنه يسوء صاحبها ظهورها وانكشافها.
النخلة السحوق هي الطويلة جداً.
فلما وقع فيما وقع به من الخطيئة بدت له عورته عند ذلك، وكان لا يراها، فانطلق هارباً في الجنة، فتعلقت برأسه شجرة من شجر الجنة فقال لها: أرسليني، فقالت: إني غير مرسلتك، فناداه ربه يا آدم أمنّي تفر؟ قال: يا رب إني استحييتك، فقد رواه ابن جرير وابن مردويه من طرق عن الحسن عن أبي بن كعب عن النبي ﷺ مرفوعاً، والموقوف أصح إسناداً.
إذا صح إسناد الموقوف فمثل هذا يكون له حكم الرفع؛ لأن هذا لا يقال من جهة الرأي، وأبي بن كعب لا يعرف بالأخذ عن بني إسرائيل.
قوله: وَطَفِقَا الفعل "طفق" من أفعال المقاربة، ومعنى "طفقا" يعني شرعا، تقول: طفق فلان يفعل كذا يعني شرع فيه.
قوله: يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ [سورة الأعراف:22] يعني يقطعان الشجر ويلزقانه على العورات، تقول: خصفت النعل إذا وضعت فيه طبقات من الجلد فوق بعض من أجل أن يكون سميكاً يحتمل ما يمر عليه الماشي، والمقصود أن آدم وحواء صارا يأخذان من ورق الجنة ويلزقانه على عورتهما لسترها بدلاً من اللباس الذي زال عنهما، وهذا يدل على أن الحياء قضية فطرية بدليل أنهما قاما مباشرة بستر العورة؛ فكشف العورة أمر لا يقبله إنسان ذو فطرة حية بدليل أن ذهول المعصية والمصيبة التي وقعت لهما لم تؤثر على انشغالهما بستر العورات مع أنه لا أحد عند آدم غير حواء، فانشغل بهذا، فينبغي أن يتأمل الناس في ذلك فيدعوهم إلى ملازمة الستر والحشمة واللباس اللائق بدلاً من هذا التعري وهذه اللحوم التي تتكشف في أدنى مناسبة وبدون مناسبة، والله المستعان
قول وهب بن منبه: "كان لباس آدم وحواء نوراً على فروجهما.." هذا لا دليل عليه، ولهذا فإن ابن جرير - رحمه الله - لما ذكر هذه الأقوال لم يحدد شيئاً منها بل قال: هذا كله لا دليل عليه، فقد يكون هذا أو هذا أو هذا، والله تعالى أعلم.
ثم إنه لا فائدة من معرفة ذلك هل كان نوراً أو حريراً أو غيره، لكن المهم أن نعرف أن الستر أمر فطري، وأنه مما ينبغي على الإنسان أن يفعله، وأن التعري من عمل الشيطان وتزيينه الذي يدعو إليه.
إن معاقل إبليس في هذه الدنيا كثيرة ومن معاقله وأوكاره دور الأزياء العالمية التي يصممون فيها الأزياء ويصيحون في هذا الخلق صيحة في المغرب يتداعى لها الناس في أقاصي المشرق أن قد ظهرت ألبسة في غاية العري، والله المستعان.