قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله - : "قيل: المراد بالخطاب في اهْبِطُواْ آدم وحواء وإبليس والحية، ومنهم من لم يذكر الحية، والله أعلم، والعمدة في العداوة آدم وإبليس، ولهذا قال تعالى في سورة طه: قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا الآية [سورة طـه:123]، وحواء تبع لآدم، والحية إن كان ذكرها صحيحاً فهي تبع لإبليس..".
الأمر بالهبوط جاء مفرداً كما في قوله في الآية السابقة: قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا [سورة الأعراف:13] وهذا لا شك أن المراد به إبليس، وجاء بالتثنية فقال تعالى: اهْبِطَا مِنْهَا فهذا يحتمل أن المراد به آدم وحواء، ويحتمل أن يكون المراد به آدم وإبليس، وتكون حواء تبعاً لآدم، وأما بصيغة الجمع قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً [سورة البقرة:38] فآدم وحواء وإبليس.
وأما ذكر الحية هنا التي أشار إليها فبناء على ما ورد في بعض المنقولات والمرويات، ولا أعلم شيئاً في ذلك يصح عن رسول الله ﷺ، لكن يقولون: إن إبليس حينما وسوس لآدم كان ذلك عن طريق التشكل والتصور بصورة الحية، وهذا الكلام لا دليل عليه، ومثل هذه المنقولات الإسرائيلية - كما هو معلوم - ثلاثة أقسام: ما وافق ما عندنا قُبل، وما خالفه رُد، وما لم يوافق أو يخالف فإنه يُتوقف فيه.
يقول – رحمه الله - : "وقد ذكر المفسرون الأماكن التي هبط فيها كل منهم، ويرجع حاصل تلك الأخبار إلى الإسرائيليات والله أعلم بصحتها" هذا أيضاً من الأمور التي لا طائل تحتها، أين نزل آدم ﷺ، وأين نزلت حواء وأين كان التقاؤهما وتعارفهما كل ذلك لا فائدة فيه، ولو كان فيه فائدة لذكره الله ، فالعبرة إنما هي بمعرفة أثر المعصية التي وقعت من آدم والكبر الذي وقع من إبليس، وأن نعرف عداوة إبليس.
وقد يرد سؤال في مثل هذه الآيات - وقد سبق الكلام عن كثير مما يتعلق بها في سورة البقرة - وهو أن آدم ﷺ كان في الجنة، فكيف استطاع إبليس أن يوسوس له، وهو طريد لعين؟ فمثل هذا نقول: إذا أراد الله شيئاً كان، فهو إما أن يكون دخل عن طريق مخلوق آخر - كما يزعمون أن ذلك كان عن طريق الحية - وقد يسلطه الله عليه بالوسوسة وإن لم يكن داخل الجنة، وقد يكون بأي طريق أراده الله - تبارك وتعالى - فمثل هذا ليس محل إشكال، والله تعالى أعلم.
يقول: ولو كان في تعيين تلك البقاع فائدة تعود على المكلفين في أمر دينهم أو دنياهم لذكرها الله تعالى في كتابه أو رسوله ﷺ.
وقوله: وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ [سورة الأعراف:24] أي: قرار وأعمار مضروبة إلى آجال معلومة، قد جرى بها القلم، وأحصاها القدر وسطرت في الكتاب الأول.
قوله: وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ [سورة الأعراف:24] يعني قرار.
وقوله: وَمَتَاعٌ يعني حيث تتمتعون إلى الآجال التي أجلها الله لكم.